الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يمن عليك بالشفاء والعافية، وأن يتقبل منك عمرتك، ويعظم لك أجرها لما لقيت من شدة التعب فيها، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد، قال: انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهلي منه ثم القينا عند كذا وكذا قال أظنه قال غدا ولكنها على قدر نصبك أو قال نفقتك. متفق عليه.
وَأَخْرَجَُه الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِم مِنْ طَرِيق هِشَام عَنْ اِبْن عَوْن بِلَفْظِ: إِنَّ لَك مِنْ الْأَجْر عَلَى قَدْر نَصَبك وَنَفَقَتك . وعمرتك صحيحة إذا كنت قد أديتها بشروطها وأركانها، وأما عدم الخشوع والراحة في أدائها فلا يبطلها، ولكن كان ينبغي لك أن ترتاحي قبل أدائها لتؤديها بخشوع وطمأنينة. وما دام قد حصل ما حصل فهي صحيحة ومثاب عليها إن شاء الله كما سبق.
وأما الفطر فينظر:
1- إن كنت مسافرة وذلك بأن لم تنو الإقامة في مكة أربعة أيام صحاح أي لا يحسب يوم الدخول والخروج منها فلا حرج عليك مطلقا في الفطر لأن المسافر رخص له في الفطر وإن لم يجد مشقة، وإلا بأن نويت الإقامة بمكة أربعة أيام بغير يومي الدخول والخروج فإنه لا يجوز الفطر .
2- إلا إن كان شق عليك مواصلة الصوم بسبب المرض الذي هو السكر فلا حرج عليك في الفطر أيضا .
ودليل ما سبق قول الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ {البقرة: 184}.
3- إن خفت على نفسك الهلاك أو شق عليك الصوم مشقة خارجة عن المعتاد بحيث أحسست بالعجز عن مواصلة الصوم، أو خفت على نفسك ذهاب عضو أو منفعته ونحو ذلك فلا حرج في الفطر، بل يلزمك قال الإمام النووي رحمه الله:
(قال أصحابنا وغيرهم: من غلبه الجوع والعطش فخاف الهلاك لزمه الفطر وإن كان صحيحا مقيما؛ لقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً {النساء: 29} وقوله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ {البقرة: 195} ويلزمه القضاء كالمريض)اهـ
وأما مجرد الإحساس بالتعب فلا يبيح الفطر، وعلى كل حال يلزمك القضاء.
وأما تمني السفر من مكة مع أن كمال الإيمان يقتضي حب البقاء فيها والتلذذ بالعبادة هناك فكان نتيجة التعب، وقد زال ولله الحمد وأعقبه تمني البقاء مما يدل بأن هذه حالة عارضة وطبيعية في الإنسان فتغلبه نفسه والشيطان أحيانا، ولكن المؤمن الموفق سرعان ما يرجع ويتوب وقد تحقق هذا فيك ولله الحمد.
والله أعلم.