الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز للمسلم أن يفعل شيئاً من هذه الأمور الثلاثة في حالة سعة واختيار، لأنها من المحرمات سواء في ذلك الكذب أو التأمين التجاري أو الربا، لكن إذا كان محتاجاً أو مضطراً إلى العلاج ولا يمكنه أن يدفع مصاريفه إلى المستشفى دون الاشتراك في التأمين الصحي، فلا حرج عليه حينئذ في الاشتراك فيه، والأصل في ذلك عموم قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}، وقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}، وما جاءت به الشريعة من درء المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: مدار الشريعة على قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. أخرجاه في الصحيحين، وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع. انتهى.
ومعلوم أن التأمين الصحي في هذه الحالة أهون من الكذب الذي يؤدي مع أكل مال الآخرين بغير حق إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين وإظهارهم في مظهر الكاذب المخادع، وفي ذلك من التنفير عن الدين والصد عنه ما فيه، وأهون كذلك من الربا الذي آذن الله مرتكبه بحرب، فقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {البقرة:279}.
والله أعلم.