الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكرته من أن زوجتك وأخويها قد اتفقوا في رمضان الماضي على بيع المزرعة وتوزيع ثمنها بين الأخوين، على أن يكون نصيب والدة زوجتك هو الشقة التي يقطنونها حاليا، وأن نصيب زوجتك هو الشقة الأخرى، مع أن كل الأملاك تكون باسم الوالد...
أقول: إن هذا الاتفاق الذي حصل بين الإخوة، أو بينهم وبين أمهم، لم تبين لنا ما إذا كان أبوهم متفقا معهم عليه، أو أنه وقع بعد إذنه لهم فيه، أم لا.
ثم هل هو على سبيل التمليك أم لا؟
فإذا لم يكن الأب مشاركا في هذا الاتفاق أو آذنا فيه فإنه يعتبر لاغيا، لأن التصرف في ملك الغير لا يصح دون رضاه.
وعلى أية حال، فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن أهل العلم قد نصوا على أن من كبرت سنه وتغير عقله يحق لأوليائه أن يحجروا عليه. ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 18335.
فإذا كان أبو زوجتك قد بلغ سن الحجر فارفعوا أمره المحكمة الشرعية لتعين شخصا يقوم على أمواله، ولا يصرف منها شيء إلا في مصلحته هو أو في النفقات الواجبة عليه.
وإذا كان لم يبلغ سن الحجر فتصرفاته في ممتلكاته صحيحة وماضية إذا حيزت عنه حيازة شرعية.
ثم على تقدير صحة تصرفاته، فإن تمليكه والدة زوجتك الشقة التي يقطنونها حاليا لا يصح، لأن من تمام الهبة الحيازة وهي لا تصح ما دام الواهب يسكن ما وهبه. قال الشيخ أحمد الدردير: (و) صحت (هبة زوجة دار سكناها لزوجها) (لا العكس) وهو هبة الزوج دار سكناه لزوجته فلا يصح لعدم الحوز; لأن السكنى للرجل لا للمرأة فإنها تبع له. اهـ
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإذا ثبت أن ذلك الابن قد وهب لأمه ثلث الشقة المذكورة وقبلته منه، وكان هو قد ملكه حسبما ذكرنا سابقا فليس من حقه الرجوع في ذلك. فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العائد في هبته كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه".
وإذا كان لزوجتك علم بهذا الموضوع فمن واجبها أن تؤدي الشهادة على الوجه الصحيح. ولتعلم أن الشهادة من الأمور الخطيرة التي لا يصح للمسلم أن يتساهل فيها، والكذب فيها من أكبر الكبائر، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور أو قال: شهادة الزور. الحديث رواه البخاري ومسلم.
فمن استشهد في أمر له به علم وجب عليه أداء الشهادة على الوجه الصحيح، وخصوصا إذا ترتب على ترك الشهادة إهدار حق أو ارتكاب محرم، وقد نهى الله عن كتمان الشهادة، قال الله تعالى: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. {البقرة:283}. وإذا تقرر ملك أم زوجتك لثلث تلك الشقة، فإنه باق على ملكها كيفما بلغت قيمة الشقة. وإذا بيعت فمن حقها أن تأخذ ثلث الثمن الذي بيعت به بالغا ما بلغ.
والله أعلم.