الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أن مثل هذه القضايا والمنازعات ينبغي أن تعرض على القضاء الشرعي ليقول فيها كلمته، أما الفتيا فيها فمتعذرة، لأن القول فيها يحتاج إلى اطلاع واف.
وعلى كل فينبغي أن تعلم هنا مسألة وهي أنه ليس كل دعوى تقبل وتُسمع، ولو كان الأمر كذلك لتسلط الأشرار على أموال الناس وممتلكاتهم ولفسدت أحوال الناس، وفي هذه الصورة المذكورة شخص يشتري أرضاً من آخر وتسجل في السجل الرسمي بإقرار البائع ويظل المشتري يتصرف فيها أكثر من ثلاثين سنة والمالك يشاهده وهو ساكت لا يحرك ساكناً، ثم بعد ذلك يدعي البائع أن بعض هذه الأرض ليست ملكاً للمشتري، وإنما هي أمانة عنده مع أن من يدعي لهم الحق سكتوا ورضوا بما جاءهم منذ عشرين سنة أو أكثر، فهذه الدعوى يكذبها العرف والعادة، وإن كانت الدعوى كذلك فلا تسمع، وفي مثل هذا يقول الفقهاء كما في تبصرة الحكام: القضاء مما يظهر من قرائن الأحوال والأمارات، وذكر منها: أن مالكاً وأصحابه منعوا سماع الدعوى التي لا تشبه الصدق عرفاً؛ بل العرف يدل على كذبها كدعوى رجل لدار بيد حائز يتصرف بالهدم والعمارة مدة طويلة نحو عشر سنين والمدعي مشاهد ساكت ولا ثم مانع من خوف ولا قرابة... فإن ذلك قرينة دالة على كذب الدعوى. انتهى.
هذا وإذا رأى القاضي الشرعي أن يستمع إلى هذه الدعوى لسبب أو لآخر، وثبت أن نصف هذه الأرض ليست ملكاً للمتوفى، وإنما هي ملك لمن ادعاها وقامت البينة على ذلك، فيجب على الورثة أن يخلوا بينها وبين من استحقت له ويعودوا على البائع بثمنها.
والله أعلم.