الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن زكاة الصيدلية مثل زكاة غيرها من عروض التجارة، وكيفية زكاتها بعد مرور الحول هي: أن يقوم التاجر بتقويم كل تجارته حسب سعر السوق ما عدا الأصول الثابتة مثل: المحل وأدوات المكاتب والبرادات والسيارة الخاصة بالاستعمال، فهذه لا تجب فيها الزكاة ما دامت للاستعمال، ثم ينظر فيما له من ديون مرجوة فيضمها لحساب الزكاة، وفيما عليه من ديون فيخصمها إن لم تكن هناك أموال غير زكوية تقابل هذا الدين، ثم يخرج الزكاة بنسبة ربع العشر 2.5% إذا بلغ النصاب، وهو قيمة خمسة وثمانين غراماً من الذهب.هذا ملخص كيفية زكاة عروض التجارة، أما كيف يتم تحديد بداية الحول فإذا كان رأس المال يبلغ النصاب فإن الحول حوله، فمثلا لو كان حول رأس المال في رمضان وفتحت الصيدلية في رجب فإن الحول باق على موعده وهو رمضان، قال ابن قدامة في المغني: وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِنِصَابٍ مِنْ الْأَثْمَانِ، أَوْ بَاعَ عَرْضًا بِنِصَابٍ، لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي قِيمَةِ الْعُرُوضِ، لَا فِي نَفْسِهَا، وَالْقِيمَةُ هِيَ الْأَثْمَانُ، فَكَانَا جِنْسًا وَاحِدًا انتهى. وأما إذا كان رأس المال لا يبلغ النصاب فإن الحول يبدأ عندما يبلغ مجموع ما في الصيدلية مما يزكى نصابا، ويرى بعض أهل العلم منهم الإمام مالك أن المعتبر حول رأس المال ولو لم يبلغ النصاب، قال ابن قدامة أيضا: وَإِنْ اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ مَا لَيْسَ بِنِصَابٍ، فَنَمَا حَتَّى صَارَ نِصَابًا، انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ حِينَ صَارَ نِصَابًا. فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ لَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، فَاتَّجَرَ فِيهَا، فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَقَدْ بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، يُزَكِّيهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْحَوْلُ عَلَى نِصَابٍ، فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، كَمَا لَوْ نَقَصَ فِي آخِرِهِ. انتهى وسواء كان البرنامج المذكور موجودا في بداية الأمر أم طرأ بعد ذلك، والغالب أن التاجر يعلم المبلغ الذي بدأ به عمله عند فتح المحل ويعلم المراحل التي تمر بها تجارته من ربح وخسارة، فإن لم يعلم ذلك فإن عليه أن يتحرى ثم يخرج الزكاة عن الأعوام التي مرت بدون زكاة، مع أنه لا يجوز تأخير الزكاة بغير عذر معتبر، أما عن الأدوية التي لم يسدد ثمنها وغيرها من الدين، فليجعل في مقابل الدين الأموال غير الزكوية كما سبق في الفتوى رقم: 6336، فإن بقي شيء من الدين خصم من رأس المال ثم يزكي ما بقي، مع التنبيه على أن من شروط وجوب الزكاة مرور الحول على المال وهو نصاب، فإن حال الحول والمال غير نصاب لم تجب فيه الزكاة وبهذا تتم الإجابة عن السؤال الأول والثاني.
وعن السؤال الثالث فإن الواجب هو إخراج النقود وليس الدواء، وقيل يجوز إخراج زكاة العروض من عينها قال ابن قدامة في المغني: و َيُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ قِيمَةِ الْعُرُوضِ دُونَ عَيْنِهَا. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ فِي آخَرَ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِخْرَاجِ مِنْ قِيمَتِهَا، وَبَيْنَ الْإِخْرَاجِ مِنْ عَيْنِهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. لِأَنَّهَا مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَجَازَ إخْرَاجُهَا مِنْ عَيْنِهِ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ. وَلَنَا أَنَّ النِّصَابَ مُعْتَبَرٌ بِالْقِيمَةِ ; فَكَانَتْ الزَّكَاةُ مِنْهَا كَالْعَيْنِ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْمَالِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِي قِيمَتِهِ انتهى. كما يجوز عند بعض أهل العلم إخراج القيمة في الزكاة ولا سيما إذا كان ذلك أصلح للفقير كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 7086، وعلى هذا القول يجوزدفع الزكاة أو بعضها دواء من باب إخراج القيمة.
وعن السؤال الرابع فقد أجاز أكثر أهل العلم تقديم الزكاة قبل الحول بعد بلوغ المال النصاب إن كان في ذلك مصلحة إذا أخرجت على أنها زكاة، وانظر الفتوى رقم: 6497، والفتوى رقم:12041، وإذا قدم رب المال زكاة حول فإنه لا يطالب بزكاة ذلك المال إلا بعد تمام الحول التالي.
وعن السؤال الخامس فالأصل أن البضائع المنتهية الصلاحية لا قيمة لها لأنها غير متمولة ولا يجوز بيعها، ويجب إتلافها أو تسليمها للجهات المختصة لما فيها من الضرر على الأمة،. لكن ما دامت هذه الأدوية مضمونة القيمة كما قلت فالظاهر أنها تقوم بالمبلغ الذي سيعوض عنها تقريبا مع أن الصيادلة أدرى بقيمتها.
وعن السؤال السادس فإن الدين إذا كان على موسر غير مماطل قوم وحسب من المال الموجود ولو تأخر حولا أو أكثر، قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير على مختصر خليل في الفقه المالكي: وَأَمَّا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ ثَمَنَ عَرْضِ تِجَارَةٍ لِمُدِيرٍ فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيُزَكِّيهِ كُلَّ عَامٍ انتهى، وقيل لا يطالب بزكاته حتى يقبضه فإذا قبضه أخرج زكاته عن كل حول، قال ابن قدامة في المغني: وَإِذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَيُؤَدِّي لِمَا مَضَى، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى ضَرْبَيْنِ; أَحَدُهُمَا، دَيْنٌ عَلَى مُعْتَرِفٍ بِهِ بَاذِلٍ لَهُ، فَعَلَى صَاحِبِهِ زَكَاتُهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَيُؤَدِّي لِمَا مَضَى.انتهى. وانظر الفتوى رقم: 34652،
وأما السؤال السابع فإن الدين بالنسبة للزكاة على قسمين، الأول: دين على مليء غير مماطل، وقد تقدم الكلام عليه، والثاني دين على معسر أو مماطل أو معسر مماطل فهذا لا يحسب في الزكاة، فإذا قبض ولو بعد سنين عديدة زكي لسنة واحدة، وانظر الفتوى رقم: 30766، ولا يجزئ عن الزكاة إسقاط الدين واعتباره زكاة كما سبق توضيحه في الفتوى رقم: 2040، والفتوى رقم: 9918، أما بالنسبة للسؤال الثامن فإن تحديد وقت سداد الدين لا يتوقف عليه شيء في موضوع الزكاة، وكذلك ما ذكر من الشراء والسداد أو سداد البعض أو عدم حصول الشراء أصلا، وذلك لأن التصرفات أثناء الحول لا عبرة بها، بل المهم أن ينظر رب المال عند تمام الحول ما عليه من الديون وماله منها، وقد تقدم التفصيل في ذلك في هذه الفتوى، ثم إن جميع ما ذكر عام في زكاة عروض التجارة سواء في ذلك الصيدلية وغيرها من عروض التجارة، وأخيرا نقول للإخوة القائمين على إعداد هذا البرنامج جزاكم الله تعالى أحسن الجزاء، وعليكم أن تعرضوا عملكم هذا بعد اكتماله على جهة شرعية مختصة للنظر فيه والتدقيق.
والله أعلم