الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد روى مسلم في صحيحه قوله صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة. وقد رواه أحمد بلفظ: من أتى عرافاً فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوماً. وقد صححه الأرناؤوط , وثبت أخطر من هذا في حديث المسند: من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. وقد صححه الألباني والأرناؤوط . وقد نص الحديث على عدم قبول الصلاة؛ ولكن قال المناوي في فيض القدير: وخص الصلاة لكونها عماد الدين فصومه كذلك. اهـ.
وقد ذكرنا في الفتوى: 14231، متى يكفر من أتى عرافاً، فمن أتاه وصدقه في قوله معتقداً علمه بالغيب، فإنه يكفر كفراً مخرجاً من الملة بلا خلاف، وذلك لإشراكه به مع الله في علم الغيب الذي استأثر به لنفسه، قال سبحانه: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل :65].
وأما من أتاه وصدقه مع اعتقاده أنه لا يعلم الغيب، وأنه يأخذ أخباره من الجن الذي يسترقون السمع أو من القرين المصاحب للإنسان، فبعض العلماء قال: إنه يكفر كفراً مخرجاً من الملة, والبعض الآخر قال: كفر دون كفر وهو كبيرة من الكبائر، وإذا صلى في هذه الفترة لا يعتبر تاركاً للصلاة, وإنما يحرم ثوابها, فإذا مات يعتبر ممن مات وهو يصلي. قال النووي في شرح مسلم: وأما عدم قبول صلاته فمعناه أنه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه ولا يحتاج معها إلى إعادة، ونظير هذه الصلاة في الأرض المغصوبة مجزئة مسقطة للقضاء، ولكن لا ثواب فيها، كذا قاله جمهور أصحابنا.
قالوا: فصلاة الفرض وغيرها من الواجبات إذا أتى بها على وجهها الكامل ترتب عليها شيئان: سقوط الفرض عنه وحصول الثواب, فإذا أداها في أرض مغصوبة حصل الأول دون الثاني. ولا بد من هذا التأويل في هذا الحديث، فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى العراف إعادة صلوات أربعين ليلة فوجب تأويله. والله أعلم. اهـ.
والله أعلم.