الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أن مصاريف المحاكمة وما يتعلق بها من تكلفة الشكاية وجلب الخصم ونحو ذلك تكون على بيت المال. وإذا تعذر استيفاء ذلك من بيت المال، فإن تلك المصاريف تكون على طالب الحق (أي الذي رفع الشكاية)، إلا أن يلدَّ الخصم ويتبين ظلمه فإنها حينئذ تكون على المطلوب. قال ابن عاصم الأندلسي المالكي في تحفة الحكام:
وأجرة العون على طالب حـق * ومن سواه إن ألد تستحـق
قال الشيخ ميارة معلقا على هذا البيت: ... ولما تعذر إجراء ذلك من موضعه [يعني تعذر أخذ تلك النفقات من بيت المال] نظر الفقهاء بما يوجبه الاجتهاد على من تكون أجرة هذا الصنف؟ فاقتضى النظر أنه على من يحتاج إلى إحضار خصمه وإمساكه, وبعثه إلى موضع انتصافه منه بقضاء ما له عليه أو إعطاء رهن أو حميل أو اقتضاء يمين أو حبس. هذا إن لم يظهر من المطلوب مطل ولا لجاج, فإن ظهر ذلك منه ألزمه الفقهاء أجرة هذا العون، لكونه -والله أعلم- ظالما, والظالم أحق أن يحمل عليه...
وقال الهيتمي الشافعي في تحفة المحتاج: وأجرة العون والحبس لمعسر على الطالب إن لم يمتنع خصمه من الحضور, فإن امتنع فالأجرة عليه لتعديه بالامتناع. اهـ.
وأما تكلفة المحاماة فالظاهر أن الأصل أن كل من أتى بمحام فإنه يتحمل النفقة المترتبة عليه. لأن على الخصم أن يخاصم عن نفسه لتخليص حقه، أو يتحمل تكاليف من يوكله في النيابة عنه في الخصام. ولكن هذا ينبغي أن يقيد بما إذا لم يتبين أن هنالك معتد معروف قد بيت اعتداءه، ولا شك أن المسألة المذكورة في السؤال فيها من هو على هذه الحال، وهو من دفعت إليه النقود ليؤديها للسائل ولم يؤدها عمدا وبسبق إصرار بنية الاستيلاء عليها، فينبغي أن يدفع كل ما يتكلفه عادة من سعى في إرجاع هذه النقود منه، هذا هو مقتضى العدل والإنصاف.
والله أعلم.