الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الاحتلام أمر طبيعي وقد يقع بسبب الشيطان، وقد يقع بسبب قوة المحتلم وغزارة المني عنده، كما ذكر ابن القيم والنووي رحمهما الله تعالى، وليعلم أن الاحتلام لا إثم فيه، ولذلك لا يؤثر على الصوم ولا على الحج، بل قد يكون رحمة من الله بالشخص لتخف حدة شهوته فلا يقارف الحرام ولا يتطلع إليه، فالاحتلام إذن لا يؤاخذ عليه الشخص، لأنه شيء خارج عن إرادته واختياره، والمرأة تحتلم مثل الرجل، لما رواه البخاري عن أم سلمة: أن أم سليم قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت؟ قال: نعم، إذا رأت الماء. فضحكت أم سلمة، فقالت: تحتلم المرأة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبم يشبه الولد. وفي سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا وجدت المرأة في المنام ما يجد الرجل فلتغتسل.
هذا وليعلم أنه لا ينبغي التسبب فيه بالتفكر في أمور الجنس قبل النوم، ويتأكد منع ذلك في التفكير في الأجانب وأعمال الفجار فهو محرم، لأنه قد يسبب الفتنة، فعليك أن تصرفي تفكيرك عن هذه الأمور، وعليك بأذكار النوم ومنها آية الكرسي فمن قرأها عند النوم لم يقربه شيطان، كما في صحيح البخاري.
هذا وننصحك بدعاء الله أن يرزقك زوجاً مرضياً وبالمحافظة على الحجاب الشرعي والعفة والبعد عن الاختلاط، وغض البصر لقول الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النور:33}، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ومن يستعفف يعفه الله. رواه البخاري من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.
كما ننصحك بالسعي في طلب أبيك أو ولي أمرك أن يعرضك على أحد الشباب المستقيمين من أقربائك أو غيرهم إن تيسر ذلك ويزوجك به، ولا يمنعنك من ذلك كونه فقيراً فعسى أن يغنيه الله بسبب الزواج، قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}، وقال صلى الله عليه وسلم: من أعطى لله, ومنع لله, وأحب لله, وأبغض لله, وأنكح لله, فقد استكمل إيمانه. رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، ورواه أحمد والترمذي، وحسنه الأرناؤوط والألباني.
وعليك بالحرص على تخفيف المهر فهو من يمن المرأة كما في الحديث: إن من يمن المرأة تيسير خطبتها, وتيسير صداقها, وتيسير رحمها. رواه أحمد من حديث عائشة.
ومما يدل لمشروعية عرض المرأة على من يتزوجها ما أخرج البخاري من حديث ثابت البناني قال: كنت عند أنس رضي الله عنه وعنده ابنة له، قال أنس: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها واسوأتاه واسوأتاه، قال: هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها.
وقد عرض الرجل الصالح إحدى ابنتيه على موسى عليه الصلاة والسلام المشار إليه بقوله تعالى: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ {القصص:27}، وكذلك الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدراً توفي بالمدينة، قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلى شيئاً فكنت عليه أوجد مني على عثمان فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك، قلت: نعم، قال: فإنه لا يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت, إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو تركها لقبلتها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وفيه -أي الحديث- عرض الإنسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه، لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه، وأنه لا استحياء في ذلك، وفيه أنه لا بأس بعرضها عليه، ولو كان متزوجاً، لأن أبا بكر كان حينئذ متزوجاً. انتهى.
وراجعي في أسباب استجابة الدعاء، وفي عرض الرجل بنته على أهل الصلاح الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1390، 2150، 2395، 23599، 13770، 7087.
والله أعلم.