الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء -رحمهم الله- في توقيت رمي جمرة العقبة يوم النحر، والجمرات الثلاث في أيام التشريق. ويرجع سبب اختلافهم -عند التأمل- إلى ثلاثة أمور:
الأول: اختلاف النصوص الواردة في ذلك.
الثاني: ما يرجع إلى مصلحة معتبرة، كالزحام، والرغبة في التعجل، ونحو ذلك.
الثالث: التوقيت في الأيام، كاعتبار أيام التشريق بمنزلة اليوم الواحد، فلا فدية على من أخر فيها الرمي إلى يوم آخر.
والتوقيت في الليالي، فهل يمتد وقت الرمي إلى فجر اليوم التالي، أو ينتهي بغروب الشمس من ذلك اليوم.
ونحن نذكر خلاصة ذلك - إن شاء الله - فنقول:
رمي جمرة العقبة: يبدأ الوقت المختار من بعد طلوع الشمس يوم النحر إلى غروبها، وإن رمى بعد طلوع الفجر فلا حرج وإن لم يكن من أهل الأعذار. ومن كان من أهل الأعذار فله الدفع من مزدلفة والرمي قبل الفجر، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر قبل الفجر ثم مضت فأفاضت. أخرجه أبو داود بإسناد على شرط مسلم، وقد علم بالتجربة أن النهار كافٍ في رمي الحجاج لهذه الجمرة ، فلا يتوسع بالرمي ليلاً.
رمي الجمار أيام التشريق: والمختار ما عليه الجمهور من أن رمي الجمار الثلاث أيام التشريق يبدأ من زوال الشمس، لفعله -صلى الله عليه وسلم- ذلك، مع أنه لم يكن ثمة ما يشغله عن أعمال الحج في تلك الأيام ، خلافاً لأبي حنيفة في إجازة الرمي قبل الزوال في رواية عنه، وأن الرمي بعد الزوال أفضل فحسب، وروي أن الإذن بالرمي قبل الزوال عنده مخصوص بما إذا أراد النفر، أي التعجل في يومين، وذلك لدفع الحرج، لئلا يصل إلى مكة بليل. ولا يخفى أن هذه علة غير منضبطة.
أما نهاية وقت الرمي فالمختار أن وقت الأفضلية في الرمي ينتهي بغروب الشمس، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك وأصحابه -رضي الله عنهم-. وخروجاً من خلاف من منع الرمي بالليل، وأن اليوم ينتهي بغروب الشمس. وننصح من ليس من الضعفة، ولا من ذوي الأعذار أن لا يؤخر الرمي إلى ما بعد الغروب، للأسباب آنفة الذكر.
هذا وقت الأفضلية، أما وقت الجواز فإنه يمتد إلى ما قبل طلوع الفجر من اليوم التالي، لأنه عليه الصلاة والسلام نفى الحرج عمن رمى بعدما أمسى، ولأنه حدد البدء، وسكت عن المنتهى، ولحديث الإذن للرعاة بالرمي ليلاً.
والخلاصة: أن الترخص بالرمي ليلاً بسبب الزحام أقوى من الترخص بالرمي قبل الزوال -لما سبق - ولأنه ليس مع هؤلاء إلا القياس على جمرة العقبة، وفيه نظر، لأنه قياس في مقابلة النص.
والله أعلم.