الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أخي الكريم أن جمهور أهل العلم على أن الخلع يجوز على الكثير والقليل ، على ما دفعه الرجل لزوجته من المهر وعلى أكثر من ذلك ، وعليه فأي مبلغ يتم الاتفاق عليه قل أو كثر جاز أن يكون عوضا في الخلع تدفعه المرأة للرجل ، قال الإمام ابن عبد البر في التمهيد : وأجمع العلماء على إجازة الخلع بالصداق الذي أصدقها إذا لم يكن مضرا بها وخافا ألا يقيما حدود الله واختلفوا في الخلع على أكثر مما أعطاها فذهب مالك والشافعي إلى جواز الخلع بقليل المال وكثيره وبأكثر من الصداق وبمالها كله إذا كان ذلك من قبلها قال مالك لم أزل أسمع إجازة الفدية بأكثر من الصداق لقول الله تعالى : فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ {البقرة: 229 } ولحديث حبيبة بنت سهل مع ثابت بن قيس قال فإذا كان النشوز من قبلها جاز للزوج ما أخذ منها بالخلع وإن كان أكثر من الصداق إذا رضيت بذلك وكان لم يضر بها ، فإن كان لخوف ضرره أو لظلم ظلمها أو أضر بها لم يجز له أخذه وإن أخذ شيئا منها على هذا الوجه رده ومضى الخلع عليه . أهــ .
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية : ذهب المالكية والشافعية إلى جواز أخذ الزوج عوضا من امرأته في مقابل فراقه لها سواء كان العوض مساويا لما أعطاها أو أقل أو أكثر منه ما دام الطرفان قد تراضيا على ذلك ، وسواء كان العوض منها أو من غيرها ، وسواء كان العوض نفس الصداق أو مالا آخر غيره أكثر أو أقل منه ، وذهب الحنابلة إلى أن الزوج لا يستحب له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها بل يحرم عليه الأخذ إن عضلها ليضطرها إلى الفداء .
وفصل الحنفية فقالوا : إن كان النشوز من جهة الزوج كره له كراهة تحريم أخذ شيء منها ، لقوله تعالى : وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا {النساء: 20 } ولأنه أوحشها بالفراق فلا يزيد إيحاشها بأخذ المال ، وإن كان النشوز من قبل المرأة لا يكره له الأخذ ، وهذا بإطلاقه يتناول القليل والكثير ، وإن كان أكثر مما أعطاها وهو المذكور في الجامع الصغير لقوله تعالى : فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ {البقرة: 229 } وقال القدوري : إن كان النشوز منها كره له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها وهو المذكور في الأصل ( من كتب ظاهر الرواية ) لقوله صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس : أما الزيادة فلا . وقد كان النشوز منها ، ولو أخذ الزيادة جاز في القضاء ، وكذلك إذا أخذ والنشوز منه ، لأن مقتضى ما ذكر يتناول الجواز والإباحة ، وقد ترك العمل في حق الإباحة لمعارض ، فبقي معمولا في الباقي . أهــ .
وأما على القول الثاني : فلا يجوز للرجل أن يأخذ منها أكثر مما دفعه صداقا ومهرا لها ، فلا يدخل في الخلع ما كان غير داخل في المهر كنفقة سفره إليها أو سفرها إليه أو أثاث منزله ، إلا إذا كان تم الاتفاق سابقا عن أن هذه الأمور من المهر .
والله أعلم .