الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فصاحبكم لا يخلو من أمرين : إما أن يكون كاهنا مشعوذا يستخدم الجن في تلك الأمور لابتزاز الناس وأكل أموالهم بالباطل وهو الغالب على مثل أولئك، وحينئذ فلا يجوز التعامل معه ولا القدوم عليه إلا لنصحيته وبيان الحق له؛ لما ذكرنا في الفتوى رقم: 64978 .
وإما أن يكون -كما ذكرت- من الاستقامة والورع ظاهرا وباطنا، وحينئذ يغلب على الظن سلامته، ويحمل ما يفعله على أنه حصل عليه عن طريق مشروع كالرؤيا -مثلا- وهي قد تصدق وقد تكذب، فإن طابقت الواقع فهي صادقة، وإن خالفته فهي كاذبة. هذا إذا كان مضمونها عن أمر ماض، ولا ينبغي له ذكرها ونشرها إذا تضمنت فضح إنسان ولو أذن له صاحبها لأن ستر المؤمن واجب، وإن فعل فقد أخطأ ويجب نصحه وبيان الحق له، كما لا ينبغي للمرء أن يسأل عن ذلك أيضا لأنه من الأسئلة الممنوعة؛ كما قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ {المائدة: 101 } قال البخاري : وكان قتادة يذكر هذه الآية عند حديث غضب النبي صلى الله عليه وسلم وقوله لأصحابه: سلوني عما بدا لكم، فسأله ابن حذافة عن أبيه، قال ابن شهاب كما عند مسلم: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة: ما سمعت بابن قط أعق منك، أأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس .. وهنا قاعدة ذكرها العلماء لمقياس صلاح المرء وفساده نقلها ابن كثير في تفسيره : عن يونس بن عبد الأعلى الصدفي قال: قلت للشافعي: إن صاحبنا الليث كان يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة، فقال الشافعي: قصر الليث رحمه الله بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة ، وهذه قاعدة عامة يجب محاكمة كل شخص إليها قبل الحكم عليه بصلاح أو غيره، فالتزامها هو مقياس الصلاح، وتركها هو مقياس الفساد.
وخلاصة القول أن الغالب على مثل هؤلاء أن يكونوا كهنة يتعاملون مع الجن بما لا يجوز، وقد بينا حكم التعامل مع الجن ما يباح وما يمنع في الفتوى رقم: 9734 ، ولكن لا بد من التثبت من حاله قبل الحكم عليه بما ذكرنا من ضوابط .
والله أعلم .