الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل بيان حكم الصلاة في الأرض المغصوبة، نقول إنه لا بد أن يكون لهذه الأرض مالك شرعي تؤول إليه ملكية هذه الأرض، سواء كانت حكومة إسرائيل قد غصبتها من مالكها وأعطتها للمسلمين ليبنوا عليها مسجداً، أو أخذها المسلمون من حكومة إسرائيل غصباً، إذ أن حكومة إسرائيل كيان معتد لا تملك أرضا، فتحتم أن يكون لها مالك آخر قد غصبت منه، فوجب الرجوع إليه إن كان معروفاً لديكم، واسترضاؤه بإعطائه ثمنها أو بدلاً عنها إن كان ثمن البناء أكبر من ثمن قيمة الأرض، وكذلك إن كان أقل أيضاً.
وإذا لم يرض صاحبها بالثمن أو البدل فهو أحق بأرضه لأنها ملك له تصرف فيها غيره دون إذنه.
قال القرطبي رحمه الله: ( وإذا بنى في البقعة المغصوبة أو غرس فإنه يلزم قلع ذلك البناء والغرس) واستحسن بعض أهل العلم عدم الهدم مع إلزام الغاصب بضمان القيمة. قال الكرخى: إنه لا يؤمر حينئذ -أي لا يؤمر الغاصب- بهدم البناء، ويضمن القيمة.
قال صاحب اللباب من فقهاء الحنفية ( وهذا أوفق لمسائل الباب كما في النهاية، وبه أفتى بعض المتأخرين -من الحنفية- وقد استحسن الشارح هذا القول.
وإذا لم يكن صاحبها معروفاً لديكم، وظهر بعد ذلك أو ظهر ورثته الشرعيون، فإنه يؤدى إليهم كما يؤدى إلى سابقه من القيمة أو البدل أو الهدم.
وأما حكم الصلاة في المسجد المغصوب فقد ذهب بعض أهل العلم إلى بطلان الصلاة في الأرض المغصوبة، وإلى هذا ذهب الحنابلة. قال في منار السبيل: ( ولا تصح الصلاة في الأرض المغصوبة لحرمة لبثه فيها)
وذهب الجمهور من أهل العلم إلى صحة الصلاة في الأرض المغصوبة مع الإثم، وهذا القول هو الرواية الثانية عن الإمام أحمد اختارها الخلال وفاقاً للأئمة الثلاثة لقوله صلى الله عليه وسلم: " جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع: ( والقول في المسألة أنها تصح في المكان المغصوب مع الإثم، لأنهم يقولون: إن الصلاة لم ينه عنها في المكان المغصوب، بل نهي عن الغصب، والغصب أمر خارج ... وهذا هو القول الصحيح). والله أعلم.