الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكر للأخت تواصلها معنا ، ونقدها لما كتبنا ، ونحن لسنا معصومين من الخطأ ، ولكن أحيانا يفهم كلامنا ويحمل على غير محمله ، فالأخت حملت كلامنا في معرض استدلالنا على أن أحكام الشرع يصحبها -غالبا- شيء من المشقة والكلفة ، على أننا نقارن التعدد بأركان الإسلام ، وليس هذا ما قصدناه ، فأركان الإسلام فرائض وواجبات متحتمات معلومات من الدين بالضرورة ، وأما التعدد فهو مباح فقط في الأصل. وإنما قصدنا أن نرد على من يقول بأن التعدد فيه مشقة على الزوجة الأولى ، فكيف يشرع الله ما فيه مشقة على عباده وهو سبحانه لا يريد بهم العسر ، بل يريد بهم اليسر ؟ فأجبنا بما سبق لنبين أنه لا يخلو حكم شرعي -في الغالب- من بعض المشقة على المكلفين، فالتكاليف الشرعية من صيام وصلاة وحج وجهاد فيها كلفة ومشقة، ومع ذلك شرعت وذلك لما فيها من المصالح العائدة على العباد، والتي تفوق ما يصيبهم من مشقة ونصب من القيام بها، فكذلك التعدد .
أما عن اعتراض الأخت على البند الأول من الحكم المذكور في الفتوى رقم : 71992 ، فنقول توضيحا : إن باب الزنا قد سد في شرع الله وفتح باب الزواج ، فإذا منع التعدد وسد بابه دفع ذلك بكثير من الرجال والنساء إلى الباب المحرم المسدود لأنهم لم يسعهم باب الزواج بالواحدة ، وهذا في النساء أكثر منه في الرجال لأنهن أكثر عددا من الرجال كما ذكر في البند الآنف الذكر ، فإباحة التعدد هو لمصلحة النساء قبل الرجال نظرا لكثرة النساء وقلة الرجال، فمن يقول بسد باب التعدد يحكم ويقضي على كثير من النساء بأن يبقين عوانس أو أرامل أو مطلقات ، وأيهما خير للمرأة أن تبقى عانسا أو أرملة أو مطلقة أم زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة .
وجوابا على سؤال الأخت : عن حكم التعدد بدون أي سبب على الاطلاق وإنما فقط لاشباع رغبات الرجل ، نقول: لا يمكننا تصور التعدد بدون أي سبب ، فهو لا ينفك عن مصلحة ، ففي زواج الرجل بأخرى مصلحة وإن لم يقصدها الرجل وإنما قصد إشباع رغبته ، والمصلحة هي حصول امرأة أخرى على زوج وإحصانها ، فهذه مصلحة معتبرة شرعا وإن لم يقصدها الرجل ، على أن إشباع الرغبة أمر أباحه الله تعالى ، ثم نقول للأخت الكريمة: لا بأس أن تبحثي عن الحِكَم والمصالح فيما شرع المولى سبحانه ، ولكن إن عجز عقلك فاتهمي عقلك ولا تتهمي شرع الله ، والجئي إلى إيمانك وتسليمك بحكمة الله سبحانه، وقولي كما قال المؤمنون: ربنا سمعنا وأطعنا ، ويرجى الاطلاع على الفتوى رقم : 61248 .
والله أعلم .