الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبهك أيها السائل الكريم إلى ضرورة التثبت في فهم كلام أهل العلم، واتهام النفس والإدراك قبل اتهامهم وتخطئتهم سيما إذا كان صاحب القول أحد الصحابة أو التابعين رضوان الله عليهم أجمعين ، فقد يكون القول صحيحا لا غبار عليه ، فيزل الفهم ويخطئ الوهم، فالتثبت التثبت .
وأما ما سألت عنه مما ذكر حول عدد أصحاب الكهف وسبب إبهام الله تعالى له : فالجواب عنه ما بيناه في الفتويين اللتين أشرت إليهما في سؤالك، وهو أن بعض أهل العلم فهم من رده سبحانه وتعالى للقولين الأولين في عددهم وكونهما رجما بالغيب وسكوته عن الثالث أن عددهم هو الأخير المسكوت عنه. قال تعالى : سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا {الكهف: 22 } فسكت سبحانه عن القول الثالث ولم يرده وقال : مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ . فلم ينف علمهم عن الناس جميعا بل أثبته لأولئك القلة، وابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن أحد أولئك القلة كما قال عن نفسه رضي الله عنه ، ولا غرو فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم فقهه في الدين، رواه البخاري ومسلم . وأما سبب إبهام الله تعالى لعددهم وإعراضه عنه فهو كما قال ابن كثير رحمه الله تعالى : اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام ، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا ، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال ، حقق القولين وسكت عن الثالث ، فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما ، ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته ، فقال في مثل هذا : قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ أهـ .
وهكذا في كثير من القصص القرآني، فإنما ذكر ما ينفع الناس وتحصل به الموعظة والعبرة وأعرض عما لا يفيد .
والله أعلم .