الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما عن وقوع الطلاق فقد سبق في الفتوى رقم 54230 أن المكره إكراها ملجئا لا يقع طلاقه ، وسبق في الفتوى المذكورة تحديد شروط الإكراه الملجئ ، والسائل تنطبق عليه هذه الشروط ، ومن العلماء من يفرق بين الإكراه في باب الكفر وفي غيره من الأبواب ، فيرى أن الإكراه المعتبر في كلمة الكفر ليس كالإكراه المعتبر في الطلاق وغيره قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى :
" تأملت المذهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بتعذيب من ضرب أو قيد ولا يكون الكلام إكراها . وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها أو مسكنها فلها أن ترجع بناء على أنها لا تهب له إلا إذا خافت أن يطلقها أو يسيء عشرتها فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة إكراها في الهبة ولفظه في موضع آخر ; لأنه أكرهها ومثل هذا لا يكون إكراها على الكفر فإن الأسير إذا خشي من الكفار أن لا يزوجوه وأن يحولوا بينه وبين امرأته لم يبح له التكلم بكلمة الكفر ومثل هذا لو كان له عند رجل حق من دين أو وديعة فقال لا أعطيك حتى تبيعني أو تهبني فقال مالك هو إكراه وهو قياس قول أحمد ومنصوصه في مسألة ما إذا منعها حقها لتختلع منه . وقال القاضي تبعا للحنفية والشافعية ليس إكراها " انتهى .
وعليه فهذا الطلاق لم يقع لأنه صدر عن إكراه ، وبالتالي فالمرأة لا تزال في عصمة الزوج ، وإيقاع المأذون له لا يجعله نافذا شرعا، وللرجل إثبات الإكراه أمام الجهات القانونية .
ولا يحتاج إلى التلاعب بالألفاظ أو التورية ليتفادى وقوع الطلاق ما دام أنه مكره عليه ، قال في مغني المحتاج :
( ولا تشترط ) في عدم وقوع طلاق المكره ( التورية ) وهي من ورى أي جعل البيان وراءه ( بأن ) أي كأن ( ينوي ) بقوله : طلقت زينب مثلا ( غيرها ) أي زوجته أو ينوي بالطلاق حل الوثاق , أو يقول عقيب اللفظ ; إن شاء سرا ... أما هو(المكره) فيكفي بقلبه كما نقله الأذرعي عن القاضي الحسين عن الأصحاب , وهي فائدة حسنة . وضابط التورية أن ينوي ما لو صرح به لقبل ولم يقع الطلاق .
وننبه إلى أمور :
أولها : عدم جواز طلب الزوجة الطلاق لغير مسوغ شرعي ، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 199025.
ثانيها :أن السعي في التفريق بين الزوج وزوجته من الذنوب الكبيرة وسبق بيانه في الفتوى رقم: 32225.
كما ننبه إلى أن الطلاق قبل الدخول طلاق بائن ، لا يجوز مراجعة الزوجة بعده إلا بعقد جديد ومهر جديد ، فإن لم يكن عقد عليها عقدا جديدا ، فيلزمه أن يعقد عليها من جديد ، ونكاحه لها في الفترة السابقة نكاح شبهة ، كما تقدم بيانه في الفتوى رقم: 61289 ، وفي الأخير نرشد السائل إلى ضرورة مراجعة الجهات المختصة بالمسائل الشخصية لتنظر في قضيته .
والله أعلم.