الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن الشارع الحكيم أمر بصلة الرحم وحث عليها ووعد عليها الجزاء الحسن، قال الله تعالى: وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {النساء:1}، وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ {الرعد:21}، وإذا كان أقاربك الذين ذكرتهم عصاة ويجاهرون بالمعاصي فلا يمنع ذلك من صلتهم، بل قد يتعين ذلك عليك لواجب النصح، قال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. رواه مسلم وغيره.
فعليك أن تقوم بصلة هؤلاء الأقارب وأن تنصحهم وتبين لهم أن الذي هم عليه يغضب الله ويجلب سخطه ومقته، وأن كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم معافى إلا المجاهرين، والدليل على أنه يجوز صلة القريب العاصي قول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: قدمت على أمي وهي مشركة في عهد قريش، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قدمت علي أمي وهي مشركة راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك. رواه مسلم. وليس هناك ذنب أعظم من الشرك ومع ذلك لم يمنعها من صلة أمها، فلعل ذلك يكون سبباً في هدايتها.
وأما طعامهم: فلا يجوز الأكل منه إذا لم يكن لهم دخل غير المال الحرام، أما إذا كان لهم مصدر دخل آخر فإنه يجوز لك الأكل من طعامهم لأنه حينئذ مال مختلط، والنبي صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي وأضافته امرأة يهودية على شاة مع كون اليهود يتعاملون بالربا في بيوعهم وتجارتهم، هذا هو أصل التعامل مع من يملك مالاً محرماً كله أو بعضه.
علماً بأن عين المال المقترض ليس بمحرم، لأنه بعد الاقتراض يثبت دينا في ذمة المقترض، وإنما تحرم الفوائد الربوية التي تترتب على القرض، وبهذا يتبين أن القرض الذي حصل عليه والد زوجتك لبناء البيت لا يحرم بقية المال الذي معه، وكذا أخوك وأمك لأن ما وقعوا فيه من معصية لا يؤثر على الأموال التي يملكونها حلا وحرمة، لأنهم لم يحصلوا على فوائد ربوية، بل قاموا هم بدفعها لقاء المال الذي اقترضوه، وتبقى علاقتك بهم في هذه الحالة خاضعة لتقدير المصلحة والمفسدة بالنسبة لأخيك وأبي زوجتك لما ارتكباه من معصية، أما والدتك فإن صلتها واجبة ولو كانت كافرة، فكيف وهي مسلمة وإن كانت عاصية بضمانها للقرض الربوي؟ أما غير الوالدين فهجره وصلته خاضعان للمصلحة، كما بيناه في الفتوى رقم: 20346.
والله أعلم.