الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالشركة التي نشأت بينكما شركة عنان ، قال ابن قدامة في المغني (7/121): والقسم الخامس: إذا اشترك بدنان بماليهما، وهذه الشركة العنان، وهي شركة متفق عليها " انتهى .
وشركة العنان لا يشترط فيها التساوي في الربح ولا في رأس المال، وإنما يوكل ذلك إلى التراضي والاتفاق بين الشركاء.
والصورة التي تمت بها الشركة بينكما فاسدة لعدم تحديد نسبة الربح لكل منكما عند العقد، والذي يظهر لنا من السؤال أنكما اتفقتما على قدر رأس المال ولم تتفقا على الربح، وفي هذا من الجهالة والغرر الفاحشين ما تفسد به الشركة.
قال ابن مفلح في الفروع: وربح كل شركة على ما شرطا ولو تفاضلا وما لهما سواء, نص عليه. انتهى.
وقال: فإن شرطا لهما أو لأحدهما ربحا مجهولا أو مثل ما شرط فلان لفلان أو معلوما وزيادة درهم أو إلا درهما أو ربح نصفه أو قدر معلوم أو سفرة أو عام أو أهملاه فسد العقد. انتهى .
وإذا فسدت الشركة كان الربح والوضيعة (الخسارة) على قدر ماليهما، ويتقاصان العمل فيما بينهما، فيكون لكل واحد منهما على الآخر أجرة مثله فيما قام به من عمل.
فإن الأصل في الشركات أن تقوم على مقتضى العدل، كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لأن الله تعالى قال: وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ {ص:24} .
ومقتضى العدل في الشركات أن يكون الربح والخسارة بين الطرفين حسب نسبة المال المدفوع من كل منهما.
لذا فإنا نرى أن الواجب عليكما الآن هو فض هذه الشركة لفسادها، والمال الموجود يقسم بين الشريكين على حسب رأس المال المدفوع فقط مع تحمل الخسارة إن وجدت بقدر رأس المال المدفوع من كليكما ، ويكون لكل واحد منكما أجرة مثله على الآخر فيما قام به من عمل ، ويحدد قيمة هذه الأجرة أهل الخبرة أو المحاكم المختصة إذا اقتضى الأمر ذلك .
وراجع الفتوى رقم: 62990، 68533.
فإذا أردتما الاستمرار في العلاقة التجارية بعد ذلك كان لكما عقد الشركة من جديد مع تحديد رأس المال والاتفاق على نسبة ربح كل منكما، وتحديد العمل الواجب عليكما، ولمعرفة حكم فرض أجرة لأحد الشريكين مقابل ما يقوم به من عمل زائد على القدر الواجب عليه راجع الفتوى رقم: 59446.
أما بالنسبة لما وعدك به شريكك من تحمله لخسارتك في بيع الأسهم التي اضطررت لبيعها لإكمال رأس مال الشركة، فالراجح فيه ـ والله أعلم ـ هو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي حيث جاء في نص قراره في دورته المنعقدة 1409 هجرية ما يلي: " الوعد: وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد يكون ملزما للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد، ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بتعويض عن الضرر الواقع فعلا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر. " اهـ
وقال القرافي المالكي في الفروق: إن أدخله في سبب يلزم بوعده لزم ، كما قال مالك وابن القاسم وسحنون ، أو وعده مقرونا بذكر سبب. انتهى .
وقال : أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به ، بل الوفاء به من مكارم الأخلاق. انتهى .
وبناء على ما رجحناه فإنه يجب على شريكك الذي وعدك أن يعوضك عن خسارتك الفعلية في الأسهم، وذلك رفعا للضرر الذي وقع عليك، ووفاء بالوعد المعلق على سبب ، والذي يلزم صاحبه الوفاء به قضاء كما مر .
والله أعلم .