الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل المولى جل وعلا أن لا يزيغ قلبك بعد إذ هداك وأن يهيئ لك من أمرك رشدا إنه سميع مجيب.
وينبغي أن تعلم أيها الأخ الكريم أن الله تعالى أراد بك خيرا وتفضل عليك حين شعرت بالندم على ما اقترفته من المعاصي والآثام، فبادر إلى التوبة النصوح قبل أن يبغتك الموت عسى الله أن ينقذك من الهلكة التى كنت على شفا جرفها وهي نعمة ومنة تستوجب الحمد وتقتضي الشكرفقد قال تعالى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة: 118} قال الطبري: هو الوهاب لعباده الإنابة إلى طاعته الموفق من أحب توفيقه منهم لما يرضيه عنه {الرحيم} بهم أن يعاقبهم بعد التوبة أو يخذل من أراد منهم التوبة والإنابة ولا يتوب عليه. ولمعرفة شروط التوبة النصوح انظر الفتوى رقم: 5450.
وأما كيفية الإقلاع عما كنت تقيم عليه وكيف تتبدل حياتك تماما من معصية إلى طاعة وإنابة ومن لهو إلى جد واستقامة فعليك بعد التوبة النصوح أن تسلك الخطوات التالية:
أولا :اتخاذ رفقة صالحة مستقيمة ترشدك إلى الالتزام وتنأى بك عن حضيض المعاصى والآثام. وتبتعد عن أصدقاء السوء فالصاحب ساحب والقرين بالمقارن يقتدي. وقد قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف: 28}
ثانيا: إذا استطعت أن تترك القرية أو البلد الذي أنت به إلى مكان تستطيع أن تعبد الله فيه ويغلب على أهله الصلاح فذلك مما يعين بإذن الله تعالى لما فيه من ترويض النفس على الطاعة ولفتها لذلك بالمشاهدة والمماسة وفي قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ما يدل علي ذلك ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا. فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله. فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم. فقال: إنه قتل مائة نفس. فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا. فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم. ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت. فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاه ملك في صورة آدمي. فجعلوه بينهم. فقال: قيسوا ما بين الأرضين. فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد. فقبضته ملائكة الرحمة.
ووجه الشاهد من الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن فيها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. قال الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء: في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب، والإخوان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين، ومن يقتدي بهم وينتفع بصحبتهم، وتتأكد بذلك توبته. اهـ.
ثالثا: الإكثار من ذكر الله تعالى وقراء القرآن والصلاة فقد قال تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {الزخرف:36} وقال: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد: 28} وقال: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت: 45}
رابعا: أن تبتعد عن التسويف والتمنى ففي الحديث: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله. قال الترمذي: هذا حديث حسن ومعنى قوله من دان نفسه يقول حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة، ويروى عن عمر بن الخطاب قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا. ويروى عن ميمون بن مهران قال: لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه.
وأما ما تركته من صلاة وصيام فانظر فيه الفتوى رقم: 12700.
وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 8371، 20894
والله أعلم.