الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن مجرد حديث النفس دون التلفظ باللسان لا يؤاخذ به شرعا. فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. قال البخاري عقب روايته للحديث: قال قتادة: إذا طلق في نفسه، فليس بشيء.
كما أن الشك في التلفظ بالطلاق أو عدمه لا يقع به الطلاق، وذلك أن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بالشك. قال ابن قدامة في المغني: من شك في طلاق لم يلزمه حكمه. نص عليه أحمد، وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي؛ لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بشك. انتهى
كما أن من بلغ به الوسواس حدا يغلبه ، ويكون بمثابة المكره ، فإنه لا يقع طلاقه . وانظر الفتوى رقم: 52232،
وبناء على ما تقدم نقول: أما ما حدثت به نفسك فلا عبرة به ولا يقع به الطلاق؛ لما سبق في الحديث .
وأما ما شككت في تلفظك به أو عدمه، فهو من قبيل الشك الذي لا يؤثر على النكاح الثابت بيقين؛ كما تقدم
ولو قلت لزوجتك: اجلسي عند أهلك وإذا تقدم إليك أحد تزوجيه. فهذا كناية لا يقع بها الطلاق إلا بالنية، وتقدم حكمه في الفتوى رقم: 30621.
وأما سؤالك عن قول الرجل لزوجته راجعتك مع الشك في الطلاق، فلا شيء فيه بل هو من اللغو.
وأما سؤالك عن ماهية الشك وهل هو مطلق عدم الجزم الذي لا يصل فيه الشخص إلى حد اليقين؟ فجوابه أن الشك في اصطلاح الفقهاء: استعمل في حالتي الاستواء والرجحان على النحو الذي استعملت فيه هذه الكلمة لغة فقالوا : من شك في الصلاة , ومن شك في الطلاق , أي من لم يستيقن, بقطع النظر عن استواء الجانبين أو رجحان أحدهما. ومع هذا فقد فرقوا بين الحالتين في جزئيات كثيرة. قاله في الموسوعة الفقهية
وذكر القرافي أن الشك بهذا الاعتبار ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: مجمع على اعتباره كالشك في المذكاة والميتة, فالحكم تحريمهما معا. القسم الثاني: مجمع على إلغائه, كمن شك هل طلق أم لا؟ فلا شيء عليه, وشكه يعتبر لغوا. القسم الثالث: اختلف العلماء في جعله سببا , كمن شك هل أحدث أم لا؟ فقد اعتبره مالك دون الشافعي. ومن شك هل طلق ثلاثا أم اثنتين؟ ألزمه مالك الطلقة المشكوك فيها خلافا للشافعي. انتهى من الموسوعة الفقهية الكويتية.
وأما سؤالك هل يشترط للفظ الطلاق أن يكون بصوت مسموع يسمعه من بجوارك فالجواب: لا يشترط ذلك فحيث كان لفظا وأسمعته نفسك، فلا يكون حديث نفس، ويقع به الطلاق، حينئذ؛ كما تقدم في الفتوى رقم: 22554.
ثم عليك أخي أن تقلع عن الخوض في هذه الوساوس، وتشغل نفسك بالذكر وتلاوة القرآن ومجالسة الصالحين، وقد سبق لنا فتاوى عن علاج الوسوسة القهرية، فتراجع، ومنها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10355، 3086، 15409.
والله أعلم.