الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:
فسبب النزول هو: الواقعة، أو السؤال الذي نزلت الآية، أو السورة عقبه بيانًا له، قال الجعبري، كما في الإتقان: نزول القرآن على قسمين: قسم نزل ابتداء، وقسم نزل عقب واقعة، أو سؤال. أي: إثر سبب خاص.
وأما فوائد معرفة أسباب النزول، فهي كثيرة، منها -كما قال السيوطي في الإتقان-: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.
ومنها: تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب، ولكن الصحيح أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ومنها: أن اللفظ قد يكون عامًّا، ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عرف السبب، قصر التخصيص على ما عدا صورته، فإن دخول صورة السبب قطعي، وإخراجها بالاجتهاد ممنوع.
ومنها: الوقوف على المعنى، وإزالة الإشكال، قال الواحدي: لا يمكن تعبير الآية، دون الوقوف على قصتها، وبيان نزولها.
وقال القشيري، كما في البرهان: بيان سبب النزول طريق قوي من فهم معاني الكتاب العزيز، وهو أمر تحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا. وقال ابن دقيق العيد، كما في الإتقان: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن.
وهي عبارة قريبة من عبارة القشيري السابقة، وقال شيخ الإسلام في مقدمة أصول التفسير: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب. قال السيوطي في الإتقان: ومن فوائد معرفة أسباب النزول: دفع توهم الحصر، قال الشافعي ما معناه: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا...) الآية. إن الكفار لما حرموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم، جاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه... قال إمام الحرمين: وهذا في غاية الحسن، ولولا سبق الشافعي إلى ذلك؛ لما كنا نستجيز مخالفة مالك في حصر المحرمات فيما ذكرته الآية. انتهى منه بتصرف يسير.
وأما طرق معرفة أسباب النزول، فقد قال الواحدي في أسباب النزول: لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية، والسماع ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها، وقد قال محمد بن سيرين: سألت عبيدة عن آية من القرآن، فقال: اتق الله، وقل سدادًا، ذهب الذين يعلمون فيم أنزل الله القرآن. وكذا قال السيوطي في الإتقان.
إذن فطريق معرفة سبب النزول هي الرواية، والسماع ممن شاهدوا التنزيل وحضروه، ليس له طريق غير ذلك.
وللاستزادة يمكن الرجوع إلى كتب علوم القرآن، فقد أوعبت القول في ذلك، وفصلته تفصيلًا.
والله أعلم.