الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن قراءة معاني القرآن الكريم لا تأخذ حكم قراءة القرآن، سواء كانت المعاني المقروءة بالعربية أو غيرها، لأن القرآن الكريم: هو اللفظ العربي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للتعبد والإعجاز... وأما غير ذلك فهو تفسير أو ترجمة لمعاني القرآن الكريم، ولا شك أن في قراءتها خيراً كثيراً وأجراً عظيماً ولكنها لا تصل إلى درجة القرآن الكريم نفسه، ونرجو أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 64401، والفتوى رقم: 8086.
وأما نزول القرآن بلغة العرب فإنه لحكم كثيرة منها أن النبي الذي نزل عليه القرآن عربي اللسان ويعيش في أمة عربية ويجب عليه تبليغها أولاً قبل غيرها، وقد قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ {إبراهيم:4}، ولغة العرب تمتاز عن غيرها بالسعة والقدرة على استيعاب المعاني الحسية والمعنوية فلا يوجد في غيرها من اللغات ما يوجد فيها من الثراء ووفرة المفردات المترادفة والمشتركة... ومن أساليب الخطاب كالحقيقة والمجاز والاستعارة والكناية... والقرآن الكريم جاء للبشرية كلها ويحمل من العلوم والمعاني بصريح العبارة أو بالمفهوم والإشارة..ما لا يستوعبه إلا اللغة العربية.
وأما أمة العرب فهم كغيرهم من الأمم فمن اختلط منهم بالأمم الأخرى تكلم لغتهم وفهمها كما فهمت الأمم الأخرى لغة العرب، وهذا مشاهد في واقع الناس ومعروف عبر التاريخ، ولا يشك عاقل منصف أن العرب من أذكى الأمم وإن كان القرآن نزل عليهم في وقت كانت الأمية منتشرة فيهم، كما قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {الجمعة:2}، ولكنهم عندما تعلموا من وحي السماء وهدي الأنبياء استوعبوا المعارف كلها وأصبحوا معلمي البشرية وساستها، وقد كانوا قبل على درجة عالية من الذكاء والحفظ والضبط وقصصهم في ذلك كثيرة وأخبارهم معروفة، ولذلك فليس نزول القرآن بلغتهم يعني عدم فهمهم أو استيعابهم.
والله أعلم.