الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الجمع بين الصلاتين تقديماً لأجل المطر الذي يبل الثياب رخصة لمن كان يتأذى به، أي إذا ذهب إلى المسجد لتحصيل فضل الجماعة حصل له ضرر وتأذى بالمطر، وهذا يصدق على الجماعة التي تأتي إلى المسجد من بعيد أي غير مقيم فيه، فإذا صادف وقت المغرب نزول مطر وعلموا أنهم إذا لم يجمعوا معها العشاء وقعوا في أحد أمرين، أما أن يصلوا فرادى خوفاً من أذية المطر ويفوتهم فضل الجماعة أو يذهبوا إلى المسجد ويتأذوا بالمطر فرخص لهم في هذه الحالة في الجمع تقديماً.
أما من كان مقيماً بالمسجد أو كان منفرداً في مسجد أو غيره أو كان في طريقه ما يكفه عن المطر ففي جواز أخذه برخصة الجمع وعدم جواز ذلك خلاف ذكره أهل العلم، قال ابن قدامة في المغني وهو حنبلي: وهل يجوز الجمع لمنفرد في المسجد أو من كان في طريقه إلى المسجد ظلال يمنع وصول المطر إليه أو من كان مقامه في المسجد على وجهين: أحدهما: الجواز لأن العذر إذا وجد استوى فيه حال وجود المشقة وعدمها، ولأن الحاجة العامة إذا وجدت أثبتت الحكم في حق من ليست له حاجة... ولأنه قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المطر وليس بين حجرته والمسجد شيء. والثاني: المنع لأن الجمع للمشقة فيختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تلحقه.. كالرخصة في التخلف عن الجمعة والجماعة يختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تلحقه. انتهى.
وقال النووي في المجموع وهو شافعي: والجمع بعذر المطر وما في معناه من الثلج وغيره يجوز لمن يصلي في مسجد يقصده من بعد ويتأذى بالمطر في طريقه، فأما من يصلي في بيته منفرداً أو جماعة أو يمشي إلى المسجد في كَنٍّ أو كان المسجد في باب داره أو صلى النساء في بيوتهن أو الرجال في المسجد البعيد أفراداً فهل يجوز الجمع فيه خلاف. انتهى.
ثم اعلم أن العلماء ذكروا أن الإمام له أن يجمع مع أهل المسجد وإن كان مقيماً به، وكذلك من كان حاضراً في وقت الجمع ولو كان من مجاوري المسجد، قال أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج شرح المنهاج بعد أن ذكر الخلاف الجاري فيمن لا يتضرر بعدم الجمع: قال علَى أن للإمام أن يجمع بهم وإن كان مقيماً بالمسجد ولمن اتفق وجود المطر وهو بالمسجد أن يجمع وإلا احتاج إلى صلاة العصر، وصلاة العشاء في جماعة وفيه مشقة عليه سواء أقام أم رجع ثم عاد. انتهى.
وقد صرح بهذا المالكية فقالوا للإمام إذا كان يقيم بالمسجد أن يجمع مع جماعة المسجد ولكن يقدم غيره ليصلي بهم إن وجد وإلا صلى بهم، وكذلك المجاور للمسجد مثل الرجل الضعيف والمرأة ولو كانا في بيتهما المجاور للمسجد لهما الجمع تبعاً للجماعة وأولى إذا حضر المسجد، قال في منح الجليل ممزوجاً بنص خليل في المذهب المالكي: وجاز الجمع لمعتكف ومجاور غريب لمسجد تبعاً لهم فإن كان المعتكف أو المجاور إماماً راتباً وجب عليه أن يتأخر عن الإمامة ويندب له أن ينيب من يؤمهم إذا كان فيهم صالح للإمامة غيره وإلا صلى بهم، قاله عبد الحق. انتهى.
وقال: ولا تجمع المرأة ولا الرجل الضعيف ببيتهما المجاور للمسجد إذ لا ضرر عليهما في عدم الجمع، فإن جمعا تبعاً للجماعة التي في المسجد فلا شيء عليهما مراعاة للقول بجواز جمعهما تبعاً لهم ومفهوم بيتهما جواز جمعهما بالمسجد تبعاً للجماعة. انتهى.
ومن هذا يعلم الأخ السائل أن له أن يجمع مع الجماعة ولو كان مقيماً بالمسجد ويعلم أنه يجوز الجمع مطلقاً لمن يتضرر بعدم الجمع ومن لا يتضرر به على أحد قولي العلماء وإن كان بعضهم يقوي القول باقتصار الرخصة على من يتضرر بعدم الجمع مع وجود المطر.
والله أعلم.