الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما دمت صاحب وكالة فلتعلم أن الوكالة مبناها على الأمانة والحفظ، ولا يجوز للوكيل التصرف فيها إلا بما فيه مصلحة الموكل، ولو تصرف بما يتنافى مع المصلحة بتفريط فإنه يضمن، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى: 60788.
وما قمت به من سحب شهادات الاستثمار من البنك الربوي لتحريمها فأمر رشد تثاب عليه عند الله تعالى وتشكر عليه من عباده، ولتعلم أن ما زاد على رأس المال منها لا يجوز تملكه بل يجب التخلص منه بصرفه على الفقراء والمساكين ومصالح المسلمين العامة، قال الله تعالى: وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {البقرة:279}.
وأما عن العمرة:
فللوالد فيها أحوال:
1ـ إذا كان المرض الذي أصيب به والدك لم يؤثر على عقله بحيث يفقده أهلية التصرف، وكان ما حصل منك بعلم منه وإقرار لك عليه، فلا نرى عليك فيما صنعت شيئاً، لأن التصرف في هذه الحالة ينسب لأبيك وهو مالك المال، والمالك يتصرف في ماله كيف يشاء ما دام تصرفه مشروعاً.
أما إذا كان ذلك بدون علم الوالد مع كمال أهليته للتصرف، فإن الوكيل (الابن) هو الذي يتحمل جميع النفقات التي أنفقها على أخيه وأمه لما فيها من الضرر على موكله، وبعد تحمله لها يمكنه الرجوع بها عليهما.
وأما المال الذي أنفقه على أبيه لأجل العمرة فإنه يلزم الأب على قول من يوجب العمرة وهو الراجح، وكذا يتحمل نفقة المرافق اللازم له. فإن كان الوالد قد أدى العمرة قبل ذلك فقد أدى الفرض الذي عليه ولا يلزمه الإتيان بعمرة أخرى. فإذا أعمر الابن والده مع هذا دون إذن منه بالنفقة عليه من ماله، تحملها الابن لما ذكرنا من أمانة الوكيل.
2ـ إذا كان المرض قد أثر على والدك بحيث أفقده عقله، فالواجب عليك أن تتحمل جميع النفقات التي أنفقتها عليه وعلى أخيك ووالدتك لعدم جواز التصرف في مال فاقد الأهلية بما يعود عليه بالضرر، حتى على القول بوجوب العمرة، لأنها لا تجزئه حال جنونه في الراجح وهو رأي الجمهور، قال النووي في المجموع نقلاً عن العلامة المتولي: فلو سافر الولي بالمجنون إلى مكة فلما بلغ أفاق فأحرم صح حجه وأجزأه عن حجة الإسلام، قال: إلا أن ما أنفق عليه قبل إفاقته، فقدر نفقة البلد يكون في مال المجنون، والزيادة في مال الولي لأنه ليس له المسافرة به. ا.هـ وكذا نقله النووي عن الرافعي في موضع آخر.
3ـ أن يكون المرض قد أفقده أهلية التصرف في ماله مع قدرته على التعبد فهو صالح من الناحية الدينية، وإن كان لا يحسن التصرف في ماله، فلا مانع من إعماره حينئذ العمرة الواجبة دون النافلة، وتكون نفقته فيها من ماله، وكذا نفقة من يحتاج إلى مرافقته للخدمة، وما زاد على ذلك يكون على الابن بمقتضى الأمانة.
والله أعلم.