الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فللعبد مشيئة تحت مشيئة الله كما قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وكل أحد يفرق بين تصرفه الاختياري وتصرفه غير الاختياري كالمصاب بحركة يده باستمرار فهو يريد إيقافها فلا يقدر فهذه الحركة لا اختيار له فيها، وأما غير المصاب فيحركها بإرادته ويوقفها بإرادته، والهداية له اختيار فيها والاحتجاج بالقدر في تركها هي حجة المشركين وهي شبهة شيطانية كما قال تعالى: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا {الأنعام: 147} وهو احتجاج باطل لا حجة لهم فيه، إذ لو كان حجة لأحد في ذنب لكان حجة لإبليس وفرعون. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة: فإن الاحتجاج بالقدر باطل باتفاق أهل الملل وذوي العقول وإنما يحتج به على القبائح والمظالم من هو متناقض القول متبع لهواه كما قال بعض العلماء أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري أي مذهب وافق هواك تمذهبت به ولو كان القدر حجة لفاعل الفواحش والمظالم لم يحسن أن يلوم أحد أحدا ولا يعاقب احد أحدا فكان للإنسان أن يفعل في دم غيره وماله وأهله ما يشتهيه من المظالم والقبائح ويحتج بأن ذلك مقدر عليه. انتهى.
فعلم أن المحتج بالقدر على فعل الكفر متبع لهواه بغير علم. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ {القصص: 50}
وننبه السائل إلى أن دفع الاحتجاج بالقدر لاينافي الإيمان به، بل لا بد من الإيمان بالقدر مع رد الاحتجاج به على فعل القبائح لأن الله عز وجل لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ولا يأمر بالفحشاء، بل قال سبحانه: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا {الإسراء: 38} قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والله لا يأمر بالفحشاء ولا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر والفسوق والعصيان.. وإن كان ذلك واقعا بمشيئته وقدرته وخلقه وأمره الكوني، فالأمر الكوني ليس هو أمرا للعبد أن يفعل ذلك الأمر بل هو أمر تكوين لذلك الفعل في العبد أو أمر تكوين لكون العبد على ذلك الحال.. وليس في ذلك علم منه بأن الله أمره في الباطن بخلاف ما أمره في الظاهر بل أمره بالطاعة باطنا وظاهرا ونهاه عن المعصية باطنا وظاهرا وقدر ما يكون فيه من طاعة ومعصية باطنا وظاهرا. انتهى.
وبهذه النقول وغيرها يرد على من احتج على تركه الصلاة أو غير ذلك من المعاصي بالقدر، وننبه الأخ السائل على أن الدعوة تكون بالحكمة والموعظة الحسنة.
والله أعلم.