الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا علم لنا بكيفية خروج الروح من البدن ولا من أين تخرج تحديداً، ولكن ظواهر النصوص تدل على أنها تخرج أولاً من أسافل البدن، وأن خروج روح المؤمن سلس، بعكس خروج روح الكافر، فقد جاء في الحديث أن نفس المؤمن تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، وأما روح الكافر فإنها تتفرق في جسده فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول، والحديث طويل رواه أحمد وغيره وصححه شعيب الأرناؤوط.
والسفود نوع من الشوك مائل، وقد بينا طرفاً من ذلك في الفتوى رقم: 60147، وذكرت كتب التاريخ: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه لما نزل به الموت قال له ابنه: يا أبت قد كنت تقول: إني لأعجب من رجل ينزل به الموت ومعه عقله ولسانه كيف لا يصفه؟!. فقال: يا بني الموت أعظم من أن يوصف! ولكن سأصف لك منه شيئاً، والله لكأن على كتفي جبال رضوى وتهامة، وكأني أتنفس من سم إبرة! ولكأن في جوفي شوكة عوسج، ولكأن السماء أطبقت على الأرض وأنا بينهما.
وقال عمر بن الخطاب لكعب: يا كعب حدثنا عن الموت قال: إن الموت كشجرة شوك أدخلت في جوف ابن آدم! فأخذت كل شوكة بعرق منه! ثم جذبها رجل شديد القوى فقطع منها ما قطع وأبقى ما أبقى.
هكذا وصف بعضهم الموت. والذي لا شك فيه أن للموت سكرات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قالت عائشة: فكانت بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات. رواه البخاري، وعند الترمذي: اللهم أعني على غمرات الموت وسكرات الموت. قال تعالى: وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ {ق:19}، فالموت له سكرات وغمرات تكون قوية على بعض الناس وخفيفة على البعض، كما بينا في الفتوى المحال إليها.
والله أعلم.