الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الآية الأولى: ... وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ... {التوبة: 120} مقصود به الكفار المحاربون ويوضح ذلك سياق الآية، فقد جاءت في حديث القرآن الكريم عن غزوة تبوك سنة تسع .
قال الله تعالى: مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {التوبة: 120}.
وأما الآية الأخرى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ... {الممتحنة: 8}.
فهي في الكفار المسالمين، قال البغوي في التفسير: قال ابن عباس: نزلت في خزاعة، كانوا قد صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن الزبير: نزلت في أسماء بنت أبي بكر، وذلك أن أمها قتيلة بنت عبد العزى قدمت عليها بالمدينة (وكان ذلك بعد صلح الحديبية) فرفضت أسماء أن تتعامل معها حتى تسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله الآية.
ومهما يكن سبب نزولها فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ـ كما هو مقرر عند أهل العلم ـ ولهذا فالآية عامة في معاملة الكفار المسالمين.
وقد جاء بعدها مباشرة حكم التعامل مع الكفار المحاربين، فقال تعالى: إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الممتحنة: 9}.
ولهذا فلا تعارض بين الآيتين.
والله أعلم.