الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من ذكرتهم في سؤالك، ممن أسلم بعد ما تبين له فجر رمضان، أو بلغ ، أو المرأة التي رأت الطهر من الحيض، أو من النفاس، أو من أفاق من جنونه، أو صح من مرضه، أو قدم من سفره، هل يمسك كل هؤلاء بقية يومهم أم لا؟ فيه خلاف بين العلماء.
فذهب الأحناف والحنابلة في ظاهر مذهبهم إلى وجوب الإمساك على الجميع بقية اليوم، وذهب مالك والشافعي إلى عدم وجوب الإمساك، وهو رواية عن أحمد واستحبه الشافعي، والراجح أنه لا يجب عليهم الإمساك بقية اليوم، لأن منهم من هو منهي عن الصوم وهي: الحائض والنفساء، ومنهم من هو غير مخاطب بالصوم: كالصبي والمجنون، ومنهم من هو مخاطب بالصوم بشرط الإسلام قبله وهو: الكافر، ومنهم من هو مفسوح له في الصوم إن قدر عليه، أو الفطر إن شاء وهو: المريض والمسافر، وأيضاً معلوم أنه لا خلاف في أن التي طهرت من الحيض أو النفاس، وأن القادم من السفر، والمعافى من المرض لا يجزئهم صيام ذلك اليوم، وعليهم قضاؤه فكيف إذاً يلزمهم صيامه؟
ولكن ينبغي أن لا يظهر فطره أمام من لا يعرف عذره، حتى لا يعرض نفسه للتهمة أو العقوبة، واختلفوا في الكافر والصبي والمجنون هل يقضون ما مضى من أيام؟ وهل يقضون اليوم الذي زال عذرهم فيه؟ فذهب مالك إلى أن المجنون يقضي ما مضى من حين بلوغه إن أطبق عليه الجنون ولو سنين. وقال أبو حنيفة: إذا جنّ رمضان كله فلا قضاء عليه، وإن أفاق في شيء منه قضى الشهر كله. وحكي عن الأوزاعي: أن الصبي الذي أفطر وهو مطيق للصوم يقضي ما مضى. وقال عطاء: يقضي الكافر ما مضى. وقال عامة أهل العلم: لا قضاء عليهم.
وأما اليوم الذي زال فيه عذرهم فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد لا يجب قضاؤه. وندب مالك للكافر إمساكه وقضاءه، وقال أبو حنيفة: إذا أفاق المجنون قبل الزوال وقبل الأكل ونوى الصوم وقع عنه الفرض، ولو أفطر وجب القضاء. وذهب أحمد في الرواية الأخرى إلى أنه لا قضاء عليهم لذلك اليوم، وقال المالكية وهو الراجح عند الشافعية ورواية للحنابلة: إن الصبي الذي بلغ وهو صائم، يجب عليه أن يتم صومه، ولا قضاء عليه.
والراجح أنه لا قضاء على الكافر والمجنون والصبي لا ما مضى، ولا ذلك اليوم الذي زال فيه عذرهم، لعدم ورود دليل يلزمهم بالقضاء، بخلاف الحائض والنفساء والمريض والمسافر فقد ورد الدليل بأمرهم بالقضاء.
وأما المغمى عليه فقد ذهب أبو حنيفة إلى أنه إذا أغمي عليه الشهر كله قضاه، فإن أغمي عليه بعد ليلة من الشهر قضى ما أغمي عليه منه، إلا يوم تلك الليلة لأنه نوى صيامه.
والمالكية والشافعية والحنابلة قالوا: إذا أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه، ووجب عليه القضاء وهو الراجح، لأن الصيام نية وإمساك، والمغمى عليه لم يمسك عن الطعام والشراب والمفطرات طول النهار بقصده، وهو في حكم المريض فوجب عليه القضاء.
أما إذا أفاق من إغمائه في جزء من النهار في أوله أو آخره صح صومه عند الحنابلة، وقالت المالكية يصح صومه إن كان إغماؤه أقل النهار. والله أعلم.