الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز بحال معاملة الوالد بهذه الطريقة المذكورة في السؤال، وذلك أن الوالد لا يسقط حقه في البر بفسقه بل ولا بكفره، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان: 15}.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: ومعروفاً أي ما يحسن، والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق. انتهى
هذا في حق المشرك، فالمسلم العاصي من باب أولى، ثم لابد للابن من التثبت من الخبر الذي نقلته له زوجته عن والده، والتبين من الأمر لاسيما إذا علم عنها الكذب قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {الحجرات: 6}.
فإذا تبين وتحقق من صحة كلام زوجته، فإن ما فعله والده فسق ومعصية، فيجب عليه نصحه وتذكيره بالله وبعقابه، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر.
ولا يمكنه من الدخول على هذه المرأة ولا الخلوة بها، ونوصي هذا الابن ببر والده وتوفير مسكن له إما خاص أو في البيت مستقلاً عن الزوجة بحيث لا يصلها منه أذى، ولا يمكنه من الدخول على هذه المرأة ولا الخلوة بها، وتجب النفقة إن كان فقيراً وإن احتاج إلى الزواج كما هو الظاهر، فيجب على الابن تزويجه إذا كان موسراً، فقد ذكر أهل العلم رحمهم الله تعالى أن إنكاح الوالد العاجز عن المهر المحتاج إلى الإعفاف حق من حقوقه الواجبة على أولاده الموسرين، وتراجع الفتوى رقم: 53116.
فيزوج بامرأة تقوم على حوائجه وتكف أذاه عن الغير، ولعله أن يصلح بها حاله بينه وبين ربه، وفي الجملة فما فعله الوالد معصية وذنب إن ثبت ذلك، ولكن لا يقابل الذنب بالذنب والمعصية بالمعصية، وإنما يلتزم بحدود الشرع في كل حال، وكما قيل: أطع الله فيمن عصى الله فيك.
والله أعلم.