الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد روى مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه قال: الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد.
قال الحافظ ابن حجر: وقد اجتمع لنا في الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة، وذكر منهم: اللديغ، والشريق، والذي يفترسه السبع، والخار عن دابته، والمائد في البحر الذي يصيبه القيء، ومن تردى من رؤوس الجبال، قال النووي: قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة يتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها. انتهى.
قال ابن التين: هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصاً لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء. انتهى.
قال الحافظ: والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه. رواه الحسن بن علي الحواني في كتاب المعرفة له بإسناد حسن من حديث ابن أبي خالد قال: كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد غير أن الشهادة تتفاضل. ثم قال: ويتحصل مما ذكر من هذه الأحاديث أن الشهداء قسمان: شهيد الدنيا وشهيد الآخرة، وهو من يقتل في حرب الكفار مقبلاً غير مدبر مخلصاً، وشهيد الآخرة وهو من ذكر، بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا. انتهى.
وبما تقدم نعلم أن المسلم الذي يموت بسبب الاصطدام مع سيارة ونحو ذلك من الميتات التي فيها شدة وألم يرجى أن يكون من الشهداء.
هذا وليعلم أن لنيل أجر الشهادة شروطاً، كما قال السبكي عندما سئل عن الشهادة وحقيقتها قال: إنها حالة شريفة تحصل للعبد عند الموت لها سبب وشرط ونتيجة. انتهى.
من هذه الشروط: الصبر والاحتساب وعدم الموانع كالغلول، والدين، وغصب حقوق الناس، ومن الموانع كذلك: أن يموت بسبب معصية كمن دخل داراً ليسرق فانهدم عليه الجدار فلا يقال له شهيد، وإن مات بالهدم، وكذلك الميتة بالطلق الحامل من الزنا.
والله أعلم.