الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن البحث عن حل لمشكلة الثأر القبلي يجب أن يبدأ بالبحث عن أسبابها وعلاج ذلك بالوسائل الشرعية فهي وحدها الكفيلة بحل مشاكل الناس، فهي التي تعلمهم أن دم المسلم وعرضه وماله عظيم عند الله تعالى ولا يجوز انتهاك حرمته إلا بحق شرعي، وهذا مما ينبغي أن يكون معلوماً بالضرورة عند كل مسلم لكثرة نصوص الوحي الواردة فيه، وإذا حدث شيء من ذلك فإن على علماء المسلمين وعقلائهم أن يعالجوه بالوسائل الشرعية كذلك.
ويكون ذلك بالصلح بين الطرفين، وكل صلح اتفق عليه الطرفان فهو جائز ما لم يخالف الشرع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً، والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً. رواه الترمذي وغيره وصححه.
وإذا حدثت الفتنة بين فئتين من المسلمين وكان ذلك بتأويل منهما بأن ظنت كل فئة بأن لها الحق في قتال الأخرى؛ لأنها اعتدت عليها أو أخذت مالها أو ما أشبه ذلك فإن من قتل من الفئتين أو ما أتلف أو نهب من المال... يكون هدراً لا دية فيه ولا عوض.. قال العلامة خليل المالكي في المختصر: وإن تأولوا فهدر كزاحفة على دافعة.
وهو ما درج عليه صاحب النوازل حيث قال:
وكل ذي تأول لا يضمن * في حربه ما أتلفته الفتن
أما إذا لم يكن هناك تأويل فإن على من قتل من الطرفين القصاص، وكذلك إذا هجمت إحداهما على الأخرى فإن على الهاجمة القصاص دون المدافعة فليس عليها قصاص، وهذا معنى قوله (كزاحفة على دافعة) يعني أن الزاحفة دمها هدر.
ولا مانع من إجراء الصلح بينهما على ما يتفقان عليه من التنازل عن بعض الحقوق أو عنها كاملة، عند حكم يجعلونه بينهم أو يحصل الاتفاق بينهما مباشرة، بل ذلك هو الطريق الصحيح لما فيه من امتثال أمر الله تعالى حيث يقول: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الحجرات:9}، ولا مانع من أخذ الحاكم مالاً ما لم يتعين عليه الحكم، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 13598، 46876، 17962.
والله أعلم.