الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن عدم ذكر الجن لعيسى في آية الأحقاف لا يفيد عدم سماعهم عن عيسى لأنهم لم يذكروا عدم سماعه، ويحتمل أنهم لا يرون أن رسالة عيسى ناسخة لرسالة موسى، وأنهم يرون أن ما جاء به موسى هو الأصل، وأن عيسى جاءت رسالته امتدادا لرسالة موسى وبياناً لها وتسهيلا وإباحة لبعض ما حرم في التوراة، ويشهد لهذا قول الله تعالى إخبارا عن عيسى عليه الصلاة والسلام أنه قال لبني إسرائيل: وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ {آل عمران:50}، ومثل قول الجن في ذكر موسى دون عيسى قول النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. رواه أحمد في المسند وحسنه الأرناؤوط . والنجاشي كان نصرانياً، وقريب منه قول ورقة بن نوفل وهو نصراني أيضاً: هذا الناموس الذي أنزل على موسى. متفق عليه.
ويحتمل أنهم ذكروا موسى لاتفاق أهل الكتابين على رسالته، وقد روي عن عطاء أنهم كانوا يهوداً، وقد روي عن ابن عباس أن الجن لم تكن سمعت بعيسى، وقد ضعف الألوسي في تفسيره ما روي عنهما ، ونقل عن ابن حبان أنه قال: إن هذا لا يصح عن ابن عباس. وراجع تفسير القرطبي والألوسي وابن عاشور وفتاوى شيخ الإسلام.
والله أعلم.