الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الآية العظيمة: أنها أعظم آية في كتاب الله تعالى وأنها تحفظ قارئها، وأن فيها اسم الله تعالى الأعظم، وأن من قرأها دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت، وأنها تحفظ من قرأها أول النهار وأول الليل، إلى غير ذلك من فوائدها التي ذكر الأدلة عليها من الأحاديث النبوية الشريفة، ثم قال: وهذه الآية مشتملة على عشر جمل مستقلة، فقوله: (اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ) إخبار بأنه المتفرد بالإلهية لجميع الخلائق (الْحَيُّ الْقَيُّوم) أي الحي في نفسه الذي لا يموت أبداً القيم لغيره، فجميع الموجودات مفتقرة إليه، وهو غني عنها لا قوام لها بدون أمره، وقوله تعالى (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) أي لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه، بل هو قائم على كل نفس بما كسبت، شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عليه خافية، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم... أي لا تغلبه سنة وهي الوسن والنعاس.. وقوله (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه.. وقوله (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) كقوله تعالى (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى)، وقوله تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه جل وعلا.... فلا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة... وقوله: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وقوله: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) أي لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه، ويحتمل أن يكون المراد: لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا بما أطلعهم الله عليه؛ كقوله تعالى: (ولا يحيطون به علماً).
وقوله: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) عن ابن عباس قال: علمه... ثم نقل ابن كثير عن ابن جرير أنه قال: وقال آخرون: الكرسي موضع القدمين... ثم ذكر عن ابن عباس مرفوعا وموقوفاً أن: كرسيه موضع قدميه، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل، ثم ذكر عن أبي ذر مرفوعاً: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاة من الأرض.
ونقل عن بعضهم أن الحسن البصري قال: الكرسي هو العرش، قال ابن كثير: والصحيح أن الكرسي غير العرش والعرش أكبر منه كما دلت على ذلك الآثار والأخبار.
وقوله تعالى: (وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا) أي لا يثقله ولا يكرثه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما؛ بل ذلك سهل عليه يسير لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه.. والأشياء كلها حقيرة بين يديه، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو القاهر لكل شيء، الحسيب على كل شيء، الرقيب العلي العظيم لا إله غيره ولا رب سواه... فقوله تعالى: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) كقوله: (الكبير المتعال)، وهذه الآيات وما في معناها من الأحاديث الصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح: أمِرُّوها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه.
هذا ملخص ما ذكره ابن كثير في تفسيره لهذه الآية الكريمة. وبإمكانك ان تطلعي على تفصيله في الجزء الأول.
والله أعلم.