الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بينا من قبل أن الإنسان إذا كان من أهل الاجتهاد، مستوفيًا لشروطه التي ذكرها العلماء، فهذا لا يجوز له التقليد، وإنما يعمل بما ترجح عنده بالدليل الشرعي، وإن كان ممن يستطيع الوقوف على أدلة كل مذهب في المسألة والترجيح بينها، فهذا يلزمه العمل بما تظهر له قوته من دليل في أي مذهب كان.
وأما من كان من العوام وهم الأكثر، فإنه يجب عليه أن يسأل فيما أشكل عليه من يثق في علمه وورعه. كما قال تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {النحل: 43}.
وقولنا في الفتوى التي أشرت إليها: وأما في الفقه، فالأمر متوقف على معرفة البلد لتحديد المذهب فيها. لا نعني به أن الإنسان ملزم باتباع مذهب معين، وأنه لا يجوز له الخروج عنه، وإنما نعني فقط أن الإنسان يميل في الغالب إلى ما هو معروف في بلده، وأنه يثق أكثر في العلماء الذين عرفهم، واطمأن إلى ورعهم. والغالب أن علماء كل بلد أدرى بالمذهب المنتشر في ذلك البلد.
ونحن نرى أنه من غير المناسب أن ينصح أو يوجه طالب مبتدئ يريد أن يقرأ مقدمة في الفقه وهو من أهل الجزيرة العربية مقيم فيها بقراءة مقدمة عبد الرحمن الأخصرى في الفقه المالكي، أو ينصح مبتدئ في الفقه في المغرب العربي بمقدمة في الفقه الحنفي أو الشافعي.
ثم إن موضوع الصوفية والطرقية لا تدخل في كلامنا، لأن العبارة التي أشرت إليها تعني الفقه، وهذه ليست مذاهب فقهية. وإذا كان أصحاب الطرقية والصوفية يدعون أن صوفيتهم وطرقيتهم سنية، فليس فيهم من يدعي أنها مذاهب فقهية.
وينبغي لطالب العلم أن يميز بين ما تعنيه كلمة الفقه في الاصطلاح الشائع عند طلبة العلم، وبين موضوع العقيدة وما يتعلق بها.
والله أعلم.