الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن شروط صحة إقامة الجمعة أن تكون في قرية مبنية أو مدينة، ولا تصح فيما سوى ذلك من أماكن اجتماع الناس في البادية. وعليه، فإذا كانت معسكرات الجيش بنيت وصارت محل إقامة فلا حرج في إقامتها، أما إذا كنت مبنية بحيث يأتي الناس إليها للعمل ثم يرجعون إلى مدنهم وقراهم فلا، وقد تقدم لنا في فتوى سابقة نقل كلام أهل العلم حول هذا الشرط وهو المكان الذي تقام فيه وهذا نصه: ..فالحنفية يشترطون للوجوب والصحة معا المصر ، والمراد بالمصر عندهم البلدة التي فيها سلطان أو نائبه لإقامة الحدود وتنفيذ الأحكام. ويلحق بالمصر عندهم ضواحيه وأفنيته والقرى المنتشرة حوله. ولم يشترط الفقهاء الآخرون هذا الشرط بهذه الهيئة، فالشافعية يكتفون باشتراط إقامتها في خطة أبنية، سواء كانت من بلدة أو قرية. والمالكية ينحون منحى قريبا من هذا، فيشترطون أن تقام في مكان صالح للاستيطان، فتصح إقامتها عندهم في المكان الذي فيه الأبنية والأخصاص ( أي البيوت المبنية من الخشب أو سعف النخيل) لاتخاذها عادة للاستيطان فيها مدة طويلة، وصلاحيتها لذلك ولا تصح في المكان الذي كل مبانيه خيم لعدم اتخاذها للاستيطان عادة وعدم صلاحيتها لذلك. وأما الحنابلة فلا يشترطون شيئا من هذا، فتصح عندهم في الصحاري وبين مضارب الخيام. والراجح في هذه المسألة هو أن الجمعة تصح في كل مكان حصل فيه اجتماع الناس ـ واسمها مشتق من ذلك ـ ولا يشترط المصر بل تصح في المدن والقرى، وقد بوب البخاري بما يقتضي ذلك فقال: ( باب الجمعة في القرى والمدن) وذكر حديث ابن عباس أنه قال: إن أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين. وجواثى أولها جيم بعده واو ممدودة ثم ثاء مثلثة قرية من قرى البحرين. قال الحافظ في الفتح: ووجه الدلالة منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن... " وعن أبي هريرة أنهم كتبوا إلى عمر رضي الله عنهما يسألونه عن الجمعة فكتب إليهم: جمعوا حيث كنتم. أخرجه ابن أبي شيبة وصححه ابن خزيمة كما قال الحافظ وهذا يشمل المدن والقرى. وروى البيهقي في سننه عن الوليد بن مسلم قال: سألت الليث بن سعد فقال: كل مدينة أو قرية بها جماعة وعليه أمير أمروا بالجمعة فليجمع بهم فإن أهل الإسكندرية ومدائن مصر ومدائن سواحلها كانوا يجمعون الجمعة على عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما بأمرهما وفيها رجال من الصحابة. ثم قال البيهقي بعد أن نقل جملة من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم في هذا المعنى قال: والأشبه بأقاويل السلف وأفعالهم إقامة الجمعة في القرى التي أهلها أهل قرار وليسوا بأهل عمود ينقلون.... .