الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالدنيا دار ابتلاء وامتحان وشأن المؤمن فيها الصبر والاحتساب على ما يصيبه من أقدار الله تعالى، ففي القرآن الكريم يقول الحق سبحانه: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً {الأنبياء:35}. وقوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {البقرة:155}.
وفي الحديث الصحيح: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له. رواه مسلم، وفيه كذلك: ما يصيب المسلم من هم ولا حزن ولا وصب ولا نصب ولا أذى حتى الشوكه يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
وعليه، فندعوك إلى الصبر على هذه البلايا التي أصابتك، واعلمي أن من البلاء ما قد يكون في طياته الخير، والعبد لا يدري، ومصداق ذلك قول الله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ {البقرة:216}. هذا فيما يتعلق بفضل الصبر.
أما بخصوص ما سألت عنه من مسائل لا تخلو من إنكار أو منازعة فالأولى طرحها على المحكمة الشرعية فهي التي تقضي في النزاع وتأخذ لصاحب الحق حقه: إلا أننا نقول على سبيل الفائدة:
أما بالنسبة للصداق فكان الأولى والأسلم من المنازعات أن يكون معلوماً، فإن كان كذلك وأقرَّ به الزوج أو شهدت به بينة فلا إشكال في ثبوته على الزوج.
أما إن لم يكن كذلك فهذا ينظر فيه.. فإن علم نوعه كما هو الحال هنا في ادعائك أنه كان طقماً، وأقر الزوج به فهذا يلزم أيضاً، فإن جرى العرف بطقم معين اعتبر وإلا بأن كان هناك أنواعاً متعددة فللزوجة الوسط، قال صاحب التاج والإكليل عند قول خليل بن إسحاق المالكي: (ولها الوسط حالا) ابن يونس: إن نكحها على مائة بقرة أو شاة ولم يصف ذلك جاز النكاح، وعليه وسط من الإنسان، وكذا على عبد بغير عينه.
وأما أن أنكر الزوج قدر الصداق ولا بينه للمرأة، أو ادعى الزوج أنه لا صداق لها عليه فكثير من أهل العلم يرى أن القول قول المرأة إذا ادعت صداق المثل أو أقل، سواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده، قال الخرقي: وإذا اختلفا في الصداق بعد العقد في قدره ولا بينة على مبلغه فالقول قولها ما ادعت مهر مثلها، وإن أنكر أن يكون لها عليه صداق فالقول أيضاً قولها قبل الدخول وبعده ما ادعت مهر مثلها؛ إلا أن يأتي ببينة تبرئه منه. قال شارحه ابن قدامة: فالقول قولها فيما يوافق مهر مثلها سواء ادعى أنه وفى لها أو أبرأته منه أو قال لا تستحق علي شيئاً، وسواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده. وبه قال سعيد بن جبير والشعبي وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي.
وذهب المالكية إلى أن الخلاف إن كان قبل الدخول تحالف الزوجان وفسخ نكاحهما، وإن كان بعده فالقول قول الزوج إن كانت العادة تقضي بتعجيل الصداق.
وأما بالنسبة للطلاق الذي وقع من زوجك فإنه يعتبر صحيحاً ولا يؤثر فيه كونه وقع من الزوج أثر إلحاح من أهله إذ لا يعتبر ذلك إكراهاً، وانظري ضوابط الإكراه في الفتوى رقم: 24683.
لكن إن ثبت أنه وقع نتيجة لتأثير السحر ففي هذه الحالة لا يلزم وهذا ما يصعب معرفته.
وعليه.. فلا يجوز اتهام الغير بفعله، لأن الأصل أن أمور المسلمين تحمل على السلامة.
وأما بالنسبة للمتعة فلا حد لأقلها وإنما هي بحسب المطلق من اليسر والعسر، وراجعي الفتوى رقم: 30160.
وأما بالنسبة للنفقة فمن حقك مطالبته بها، قال ابن قدامة في المغني: ومن ترك الإنفاق الواجب لامرأته مدة لم يسقط بذلك وكان دينا في ذمته، سواء تركه لعذر أو غير عذر في أظهر الروايتين. انتهى.
وأما الحكمة من جعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة فذلك لأنه صاحب القوامة ونظرته للأمور نظرة عواقب بخلاف المرأة، قال سيد سابق في فقه السنة: جعل الإسلام الطلاق من حق الرجل وحده لأنه أحرص على بقاء الزوجية التي أنفق في سبيلها من المال ما يحتاج إلى إنفاق مثله أو أكثر منه إذا طلق وأراد عقد زواج آخر، وعليه أن يعطي المطلقة مؤخر الصداق ومتعة الطلاق... ولأنه بذلك وبمقتضى عقله ومزاجه يكون أصبر على ما يكره من المرأة، فلا يسارع إلى الطلاق لكل غضبة يغضبها أو سيئة منها يشق عليه احتمالها، والمرأة أسرع منه غضبا وأقل احتمالاً وليس عليها من تبعات الطلاق ونفقاته مثل ما عليه، فهي أجدر بالمبادرة إلى حل عقدة الزوجية لأدنى الأسباب. انتهى.
والله أعلم.