الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن العقل نعمة من الله تعالى منحها الإنسان وميزه بها على سائر البهائم، ومن ثم كان العقل هو مناط التكليف، وقد أوجب الله تعالى حفظه وجعله من أعظم الضروريات، وحرم إفساده وتعطيله.
والعقل في الشريعة عقلان، عقل هو مناط التكليف لكل من أدرك الخطاب الشرعي وفهمه، وعقل اهتداء هو لأولي الألباب الذين كتب الله لهم الهداية، قال الله تعالى عن الكفار: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ {الملك:10}، فذكر سبحانه أنهم نفوا عن أنفسهم العقل الذي به الاهتداء من الضلال، وإن كان لهم عقل هو مناط تكليفهم بأصول الشريعة وفروعها.
ولقد ندب الله الإنسان لأن ينظر بعقله في نفسه وخلقه وفي الآفاق وملكوت السماوات والأرض ليزداد يقينه وإيمانه بالله رب العالمين، كما أن أكثر الشريعة الإسلامية معللة، يستطيع الإنسان بعقله أن يدرك الحكمة منها.
ولقد حجب الله تعالى عن العقل أشياء وجعله قاصراً عن إدراكها أو إدراك حقيقتها، ومن هذه الأشياء ذات الله وكنه صفاته، فمن التكلف المذموم أن يعمل الإنسان عقله فيها، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ {الإسراء:36}.
وأما دعاة العولمة فإنهم في الحقيقة يريدون إلغاء كل عقل وكل تفكير وكل تصور لا يوافق ما عندهم حتى يكون للناس تصور واحد عن جميع الأشياء، ويجعلون التصور الغربي هو المثال الذي يحتذى، ويستخدمون في سبيل ذلك ما لديهم من مقدرات ومؤثرات قوية، والعقل بهذه الصورة التي يريدونها لا دور له، لأنه لا يختار ما ينفعه، بل هو تابع ومقلد لما تفرزه الحضارة الغربية التي لم تهتد بنور الوحي.
والواجب على الأمة المسلمة أن تنتمي لهذا الدين الحنيف، وأن تعتز بالهوية الإسلامية، وأن تحذر الانصهار في الثقافات الأخرى، وعليها أن تتحصن من ذلك، وانظري للفائدة الفتوى رقم: 55038.
والله أعلم.