الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا يجوز للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق دون ضر أنزله بها، لما أخرجه أبو داود والترمذي والبيهقي عن ثوبان رضي الله عنه قال: أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة. صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب. وكما لا يجوز للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق فإن الشارع الحكيم قد أرشد الأزواج إلى الصبر والتحمل لأخطاء الزوجات. قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر. أخرجه مسلم في صحيحه. وقال: استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء. أخرجه البخاري. وعند مسلم إن المرأة لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها.
وما نهى الشارع عن ذلك إلا لما يترتب على الطلاق من تفكك أسري وضياع ذرية ضعاف لا ذنب لهم، فلا ينبغي مع هذا أن يكون الطلاق هو أول الوسائل في حل المشاكل الأسرية، وما يلاحظ من تسرع الناس في ذلك إنما هو بسبب البعد عما أمر به الشارع الحكيم من الإصلاح والصبر وتوخي الحكمة في ذلك، فيجب والحالة هذه أن تؤوب المرأة إلى رشدها، وترجع إلى صوابها، وتربى أولادها في كنف أبيهم وتحت رعايته، وتقبل من زوجها ما دعاها إليه من الصلح فهو خير، كما قال تعالى: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ {النساء: 128} وإذا لم تقبل الزوجة ولم يمكن الإصلاح فيجب عليها أن تقبل ما دعاها إليه من توفير مسكن لها ولأولادها، فالحضانة واجبة عليها إذا احتاج الطفل إليها، ولم يوجد غيرها من جدة ونحوها كي لا يضيع حق الأولاد في الرعاية والتأديب، كا قال العلماء، فلا يجوز لها أن تترك ذريتها هملا وهي مسؤولة عنهم أمام الله، كما هي مسؤولة عن نفسها وصيانتها، فيحرم عليها أن تتبذل وتذهب إلى الشارع وهي تجد مأوى.. وأما ما يتبع الطلاق من حقوق وتبعات فقد فصلناه في الفتاوى رقم: 20270 ورقم: 8845.
والله أعلم.