الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد تقدم الكلام عن المجوسية في الفتوى رقم: 38828، فليرجع إليها، أما قولهم إنه يوجد إلهان اثنان أحدهما إله للخير والآخر للشر، وأن بينهما صراعا دائما- فقول باطل مخالف لبداهة العقول، وليس له أساس من الصحة. ولو فرض تعدد الآلهة -كما يزعمون- لترتب على ذلك اختلال نظام الكون حيث سينفرد كل واحد منهم بما خلق، وذلك لاختلاف صفات الإلهين من علم وحكمة وإرادة وقدرة مطلقة، ومن نظر إلى نظام الكون البديع وجده منتظم الصنعة، بديع النظام، صادرا عن إله واحد لا إله إلا هو العلي الكبير. قال الله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {الأنبياء:22}. قال القرطبي: والمعنى لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها. وقال غيره: أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير لأن أحدهما إن أراد شيئا والآخر ضده كان أحدهما عاجزا. وقيل معنى ( لفسدتا): أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بالاختلاف الواقع بين الشركاء. وقال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ {المؤمنون:91}. قال ابن كثير: أي لو قدر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم بما خلق فما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق كل من العالم العلوي والسفلي، مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ{الملك: 3}. ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه فيعلو بعضهم على بعض. اهـ.
فكل ما ذكرنا ينافي كمال الرب، ومن المعلوم أن الرب لابد أن يكون منزهاً عن كل نقص، موصوفا بكل كمال. ووحدانية الخالق سبحانه معلومة بالأدلة القاطعة العقلية والنقلية وبداهة العقول، ومن يقول بتعدد الآلهة فلا تقبل منه دعواه حتى يأتي بدليل صحيح يرجح العدد الذي يدعيه، وأنَّى له ذلك. وراجع الفتوى رقم:2855 .
والله أعلم.