الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الدعوة إلى الله هي وظيفة الرسل، وهي واجبة على أتباعهم، وإذا لم يقم بها من يكفي فإنها تتعين على القادرين منهم.
هذا؛ ولا يشرع لأحد أن يخرج للدعوة ويتصدر لها من غير أن يعلم ما يدعو إليه، كما أنه مطالب أن يدعو إلى ما يعلم وإن كان قليلاً كفاتحة الكتاب وصفة الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19193، 4812، 29987.
فإن العلم بما يأمر به الداعية والعلم بما ينهى عنه من شروط الدعوة إلى الله، ولذلك قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ {محمد:19}، فقدم العلم قبل القول والعمل.
وقال سبحانه أيضاً على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف:108}، قال القرطبي في بيان معنى قوله تعالى (عَلَى بَصِيرَةٍ)، قال: أي: على يقين وحق.... انتهى، واليقين والحق لا يتوصل إليهما إلا بعد تحصيل العلم، وبتحصيل الداعية للعلم النافع تزكو نفسه ويرتفع عنه الجهل أولاً، ويدعو به غيره إلى لزوم طريق الحق والهداية ثانياً.
وهنا ننبه إلى حرمة الفتيا بغير علم، وأن يتكلف الإنسان ما لا يطيق فيتصدر قبل أن يتأهل ويتكلم فيما كفيه وفي الناس من هو أمثل منه، فقد قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء:36}، وقال أيضاً: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {الأعراف:33}، ولمزيد بيان راجع الفتوى رقم: 14585.
وأما كون بعض الدعاة يخرج للدعوة إلى الله فترة طويلة -فهذا لا شيء فيه- إذا لم يترتب عليه إضرار بما أوجبه الله تعالى عليه كإعالة من ولاه الله أمرهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت.. رواه أبو داود وحسنه الألباني، وانظر الفتوى رقم: 41482.
والله أعلم.