الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن إيذاء الجار من الكبائر، لقوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره. متفق عليه. ولقوله صلى الله عليه وسلم: والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول لله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه. رواه البخاري، وفي ( صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه. قال ابن حجر في( فتح الباري): وفي هذا الحديث تأكيد حق الجار، لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتكريره اليمين ثلاث مرات، وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل، ومراده الإيمان الكامل. فالواجب على جارك أن يمتنع عن إطعام الحمام بهذه الصورة التي تؤذي جيرانه، وليس على من نصحه بالامتناع عن ذلك إثم، لأن إطعام هذا النوع من الحمام ليس واجبا عليه، بينما إيذاء الجار من المحرمات، بل من الكبائر كما ذكرنا. وأما قوله: إن الله جعله سببا لإطعام هذا الحمام، فليس بحجة، لأن الله تعالى هو الذي نهى عن إيذاء الجار. فلا يجوز لجارك أن ينفع الطير بإضراره بإخوانه المسلمين فضلا عن جيرانه. كما أنه ينبغي لك أيها السائل الكريم أن تصبر على أذى جارك وأن تنصحه بالتي هي أحسن، فإن هذا أيضا من حقوق الجار، ومن الخلق الحسن، إلا إذا لم تطق تحمل أذيته، ولم يستجب لنصحك بعد الصبر عليه، فيجوز لك حينئذ أن تشتكيه إلى الجهات المسؤولة، فقد روى أبو داود وابن حبان والحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال: اذهب فاصبر، ثم أتاه الثانية: فقال: اذهب فاصبر، فقال في الثالثة أو الربعة: اذهب فاطرح متاعك في الطريق، فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه، فعل الله به وفعل وفعل، فجاء إليه جاره، فقال له: ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه. ثم عليك أيها السائل الكريم أن تتحرى الصدق في الكلام حتى تكتب عند الله صديقا، لقوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. متفق عليه.
والله أعلم.