الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيحرم على الرجل أن يلقح زوجته بمني غيره لما فيه من خلط الأنساب وضياع الحقوق ومفاسد أخرى كثيرة ، والواجب عليه الآن أن يتوب إلى الله تعالى من ذلك ، وإذا حدث من هذا التلقيح ولد فهل يلحق الولد صاحب المني أم لا ؟
فنقول إن كانت المرأة متزوجة وأمكن كون الولد من زوجها فيلحق الولد به لأنه صاحب الفراش وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه الولد للفراش وللعاهر الحجر وإن لم يمكن كون الولد منه فإنه يلحق بصاحب المني إن كان المني خرج بوجه غير محظور وهو الذي يسميه الفقهاء المني المحترم
أما إن كان المني غير محترم فلا يلحق الولد بصاحب المني وعلى الزوج أن ينفي الولد عنه كما سيأتي.
قال عبد الرحمن الشربيني في حاشيته على أسنى المطالب : فرع سأل الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي الفقيه محمد بن علي بن أبي الخل عن رجل وطئ امرأته وأنزل معها فقامت الزوجة ساحقت ابنة الزوج وأنزلت معها المني الذي أنزله الزوج معها فحملت فهل يلحقه الولد ويلزمه المهر أم لا فأجاب الذي يظهر لي - والله أعلم - أنه لا يتعلق بهذا حكم من الأحكام فإن الشبهة تعتبر في الرجل , وأجاب بمثله الفقيه محمد بن عيسى مطير قال الناشري : الذي يظهر أنه يلحق الولد الرجل الواطئ ولا يلزمه المهر ; لأن النسب يعتبر في وطء الشبهة بالرجل , وفي المهر بالمرأة , وفي هذه المسألة ماؤه محترم من جهته . وسئل والدي رحمه الله عن رجل وطئ زوجته , وأنزل معها ثم نزع منها فمسح ذكره بحجر فأخذت الحجر امرأة أجنبية فامتسحت به فحملت فهل يلحقه الولد أم لا ؟ . فأجاب بأن الولد يلحق الواطئ لكون مائه حال الإنزال محترما , وذلك أولى من وطء أجنبية يظنها زوجته , وهي تعلم أنه أجنبي , وقد حكموا بلحوق الولد به , وإن كانت المرأة زانية فبطريق الأولى أن يحكم بلحوق الولد في مسألة السحاق . قال شيخنا هو كما قال .اهـ
وقد سئل الرملي كما في الفتاوي له: عما لو استدخلت مني سيدها المحترم بعد موته فحبلت منه فهل يلحق به ويرث منه أم لا وهل تصير أم ولد بذلك أم لا لكونها بموته انتقلت لوارثه وهل فيها نقل أم لا ؟
فأجاب بأنه يثبت نسب الولد منه ويرث منه لكون منيه محترما حال خروجه ولا يعتبر كونه محترما أيضا حال استدخاله خلافا لبعضهم فقد صرح بعضهم بأنه لو أنزل في زوجته فساحقت بنته فحبلت منه لحقه الولد وكذا لو مسح ذكره بحجر بعد إنزاله فيها فاستنجت به امرأة أجنبية فحبلت منه . ا هـ . ولا تصير أم ولد له لانتفاء ملكه لها حال علوقها به .انتهى
ويعلم الزوج أن الولد ليس منه بالوسائل التالية:
1- إذا لم يطأ ولا استدخلت ماءه المحترم أصلا .
2- أو وطئ أو استدخلت ماءه المحترم ولكن ولدته لدون ستة أشهر من الوطء ولو لأكثر منها من العقد .
أو فوق أربع سنين من الوطء للعلم حينئذ بأنه من ماء غيره .
وسنورد كلام العلامة الرملي مع بعض الاختصار لما فيه من إجابة على احتمالات قد تحتف بالسؤال .
قال رحمه الله تعالى في نهاية المحتاج شرح المنهاج : ولو أتت أو حملت بولد علم أنه ليس منه أو ظنه ظنا مؤكدا وأمكن كونه منه ظاهرا ... لزمه نفيه – بأن يقول هذا الولد ليس مني - وإلا لكان بسكوته مستلحقا لمن ليس منه وهو ممتنع كما يحرم نفي من هو منه لما يأتي ...ثم إن علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا قذفها ولاعن لنفيه وجوبا فيهما , وإلا اقتصر على النفي باللعان لجواز كونه من شبهة أو زوج سابق ... ولو وطئ وعزل حرم النفي على الصحيح لأن الماء قد يسبقه ولا يشعر به , ومقابل الصحيح احتمال للغزالي أنه يجوز- أي نفي الولد عنه - لأنه إذا احتاط فيه كان كمن لم يطأ ولأنه يغلب على الظن بذلك أنه ليس منه ولو كان يطأ فيما دون الفرج بحيث لا يمكن وصول الماء إليه لم يلحقه أو في الدبر فالأرجح من تناقض لهما عدم اللحوق أيضا ، وليس من الظن علمه من نفسه أنه عقيم فيما يظهر وإن ذهب الروياني إلى لزوم نفيه باللعان بعد قذفها وذلك لأنا نجد كثيرين يكاد أن يجزم بعقمهم ثم يحبلون ولو علم زناها واحتمل كون الولد منه ومن الزنا على السواء بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من وطئه ومن الزنا ولا استبراء حرم النفي لتقاوم الاحتمالين والولد للفراش , وما نص عليه من الحل يحمل على ما إذا كان احتماله أغلب لوجود قرينة تؤكد ظن وقوعه .انتهى كلام الرملي .
والله أعلم