الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإننا ننبه على أمور: الأول: كون الرجل غير قادر على خدمة نفسه في البيت، ليس دليلا على عجزه عن الجهاد، فإن الرجال عموما محتاجون إلى خدمة نسائهم ولو كانوا شبانا، فما ظنك بهم إذا جاوزوا مرحلة الشباب كحال هلال بن أمية رضي الله عنه، ولهذا ورد أن أهل كعب بن مالك رضي الله عنه نصحوه أن يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله وكان شاباً. ففي الصحيحين، قال كعب بن مالك: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه. والثاني: أن الله استنفر للجهاد الشباب والشيوخ، قال الله تعالى: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً {التوبة: 41}. قال مجاهد كما في تفسير الطبري وغيره: شبانا وشيوخا، وأغنياء ومساكين. والثالث: الذي ورد في نص الحديث كما في الصحيحين: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال : لا، ولكن لا يقربك. قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. فقولها: ليس له خادم" وقولها: والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا" دليل على أن حزنه الشديد، وعدم وجود خادم يخدمه، هو الذي حمل امرأته على خدمته. وفيه إشارة إلى أن كعب بن مالك ومرارة بن الربيع كان لهما من يخدمهما. قال سعيد بن زيد رضي الله عنه وهو الذي بشر هلال بن أمية بتوبة الله عليه: فخرجت إلى بني واقف فبشرته، فسجد، فما ظننه يرفع رأسه حتى تخرج نفسه. قال ابن حجر عقبه: يعني لما كان فيه من الجهد، فقد قيل: إنه امتنع من الطعام حتى كان يواصل الأيام صائما ولا يفتر من البكاء.
والله أعلم.