الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن مكر الله على من يمكر به من صفاته الفعليه الخبرية التي لا يوصف بها وصفا مطلقا، والدليل على هذه الصفة الآيات المذكورة في السؤال. قال الطيبي: المكر الخداع، وهو من الله إيقاع بلائه بأعدائه من حيث لا يشعرون. وقال ابن الملك: المكر الحيلة والفكر في دفع عدوه بحيث لا يشعر به العدو. قال ابن تيمية: كذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن كلفظ المكر والاستهزاء والخديعة والسخرية المضاف إلى الله تعالى، وزعموا أنه سمي باسم ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك؛ بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلما له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلا، كما قال تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ {يوسف: 76}. فكاد له كما كادت إخوته. اهـ. الفتاوى
قال الشيخ محمد خليل هراس في شرح الواسطية عند قوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ {آل عمران 54}. تضمنت هذه الآيات إثبات صفة المكر والكيد وهما من صفات الفعل الاختيارية، لكن ينبغي أن لا يشتق له من هاتين الصفتين اسم فيقال له: ماكر وكائد، بل يوقف عند ما ورد به النص من أنه خير الماكرين، وأنه يكيد لأعدائه الكافرين. اهـ.
وقال العلامة العثيمين في المجموع الثمين: لا يوصف الله تعالى بالمكر إلا مقيدا، فلا يوصف الله تعالى به وصفا مطلقا، والمكر التوصل إلى إيقاع الخصم من حيث لا يشعر، فإن قيل: كيف يوصف الله تعالى بالمكر مع أن ظاهره أنه مذموم؟ قيل: إن المكر في محله محمود يدل على قوة الماكر وأنه غالب على خصمه، ولذلك لا يوصف الله تعالى به على الإطلاق، فلا يجوز أن تقول: إن الله ماكر. اهـ.
ومما سبق يتبين أن ما نقل في السؤال عن الراغب الأصفهاني في مفرداته صحيح لا غبار عليه، وهو كلام أهل السنة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 43955.
والله أعلم.