الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتضييع هؤلاء لصلاة الجمعة بحجة الخلوة في أحد البيوت منكر ولا شك فيه، ويجب عليهم التوبة من هذا الصنيع لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الجمعة:9}. وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين. وروى النسائي وأبو داود وغيرهما عن أبي الجعد الضمري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه. وصححه الألباني. وأما عدم صلاتهم في المسجد ففيه تفويت خير كثير متفق عليه، وإن كان جمهور أهل العلم رحمهم الله لا يرون وجوب السعي إلى المسجد، وأما الذكر والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقراءة القرآن ونحو ذلك فأمر حسن، ولكن الاجتماع على ذلك في وقت محدد، وتحديد كل نوع بعدد وترديده خلف رجل واحد ونحو ذلك من البدع التي لم تكن من الهدي النبوي ولا كانت على عهد السلف الصالح، بل جاء عن بعضهم نهيه عن مثل هذا، ففي سنن الدارمي: قال: أخبرنا الحكم بن المبارك أخبرنا عمرو بن يحيى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد، قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعا فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرا، قال: فما هو، فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك وانتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لايضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج. والمطلوب منكم نصحهم وبيان الصواب لهم بحكمة، وحثهم على أن يتقوا الله تعالى، وأن لا يعبدوه إلا بما شرع. فالله سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم موافقاً لشرعه القويم.