الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذكر أبو محمد بن حزم أحاديث مرفوعة وآثارا عن الصحابة والتابعين من طريق بقي بن مخلد عن شيخه أبي بكر بن أبي شيبة منها: حديث ابن عمر عن عمر قال: نذرت نذرا في الجاهلية ثم أسلمت، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأمرني أن أوفي بنذري. ومنها: حديث جابر مرفوعا: لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر إلا تبوأ معقده من النار. ومنها: حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا من امرأة على أن يعلمها سورة من القرآن. وحديث عروة بن مسعود الثقفي، وروى عدة آثار عن عمر، وروى عن معاذ وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو.
ومما سبق يتبين أن ابن حزم روى أحاديث مرفوعة وآثارا من طريق بقي في كتابه المحلى.
واعلم أن المحلى مختصر من كتاب الإيصال وكلاهما لابن حزم ، قال أبو محمد: وقد جمعنا فيه -أي كتاب الإيصال- كل ما روي من نصوص القرآن والسنة والإجماع منذ أربعمائة عام ونيف وأربعين عاما من شرق الأرض إلى غربها. اهـ.
وقال الحكيم صاعد الأندلسي وهو معاصر لابن حزم: إنه في أربعة وعشرين مجلدا بخط في غاية الإدماج. اهـ. ومن جملة ما اختصره أبو محمد الأسانيد، فقد يكون من جملة ما اختصره أسانيد أحاديث رواها عن بقي من مسنده، وأيضا لبقي بن مخلد مصنف في فتاوى الصحابة والتابعين فمن دونهم. قال الإمام الذهبي: قال ابن حزم: قد أربى على مصنف ابن أبي شيبة وعلى مصنف عبد الرزاق وعلى مصنف سعيد بن منصور. اهـ. فيحتمل أن تكون الآثار التي ذكرها ابن حزم في المحلى من مصنفه أو من مصنف ابن أبي شيبة، فإنه لم يدخله في الأندلس غيره ولم يرو هناك إلا من طريقه، فلا نستطيع أن نجزم أن ابن حزم لم يخرج في المحلى عن بقي بن مخلد.
أما مسند بقي فنحن نجزم أن ابن حزم اطلع عليه بدليل أنه قدمه على غيره، وذكر أنه أكبر مسند على الإطلاق، ولم يتيسر لنا الاطلاع عليه، ولكن المعلوم عند جمهور المحدثين أن أحاديث المسند كلها مرفوعة وظاهرها الاتصال وإن كان بعضها معلولا، إلا أن ظاهرها اتصال السند، ولا نستطيع أن نجزم أن ابن حزم لم يرو عن بقي لما تقدم ذكره، والمعلوم عند أهل الحديث أن بقيا أدخل في مسنده مسند أحمد وغيره من المسانيد، لأن وفاته تأخرت عن وفاة أصحاب المسانيد فاستفاد منهم.
وعليه؛ فالسنة التي فقدت بفقد مسند بقي محفوظة في بقية المسانيد الأخرى.
والله أعلم.