الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبما أنك أنت المباشر لهذا الغش فحقوق من غششتهم تتعلق بك، ففي الحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه الترمذي وغيره، فابذل وسعك في الوصول إلى هؤلاء، ومن وصلت إليه ولم تعلم القدر الذي غششته فيه فقدره بغالب الظن، وراجع لزاماً في ما يجب على من غش في المبيع الفتوى رقم:49255. وأما من عجزت عن الوصول إليه فلا إثم عليك في عدم إيصاله بسبب العجز، لقول الله جل وعلا: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ{التغابن: 16}، وقوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا{البقرة: 286}. وفي الحديث: وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. رواه البخاري. وسبيل هذه الأموال التصدق بها عن أصحابها. وفي هذا الموضوع يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مسألة في الأموال التي يجهل مستحقها مطلقاً أو مبهماً فإن هذه عامة النفع.. والواجب على من حصلت بيده ردها إلى مستحقها فإذا تعذر ذلك فالمجهول كالمعدوم، وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة: فإن وجدت صاحبها فارددها إليه وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء.. إلى أن قال: وهذا النوع انما حرم لتعلق حق الغير فإذا كان الغير معدوماً أو مجهولاً بالكلية أو معجوزاً عنه الكلية يسقط حق تعلق به مطلقاً .. فإنه لو عدم المالك انتقل الملك عنه بالاتفاق فكذلك إذا عدم العلم به إعداماً مستقراً وإذا عجز عن الايصال إليه إعجازاً مستقراً فالإعدام ظاهر والإعجاز مثل الأموال التي قبضها الملوك كالمكوس وغيرها من أصحابها وقد تيقن أنه لا يمكننا إعادتها إلى أصحابها فإنفاقها في مصالح أصحابها من الجهاد عنهم أولى من إبقائها بأيدي الظلمة يأكلونها وإذا أنفقت كانت لمن يأخذها بالحق مباحة كما أنها على من يأكلها بالباطل محرمة. وأما حبسها دائماً أبداً إلى غير غاية منتظرة بل مع العلم أنه لا يرجى معرفة صاحبها ولا القدرة على إيصالها إليه فهذا مثل إتلافها .. فإذا كان إتلافها حراماً وحبسها أشد من إتلافها تعين إنفاقها وليس لها مصرف معين فتصرف في جميع جهات البر والقرب التي يتقرب بها إلى الله . اهـ.
فالمقصود أن هذا المال الذي لزمك لهؤلاء الذين جهلتهم أو عجزت عن الوصول إليهم، ينفق في مصالح المسلمين ووجوه البر صدقة عن أصحابه. واستعن بالله في تحصيل الأموال التي يلزمك دفعها لأصحاب الحقوق. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 18784 ، 2913 ، 32655، 49867.