الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من شأن المسلم العفة والقناعة عما بأيدي الناس، فإن ذلك أحفظ لكرامته وأصون لماء وجهه عن أن يسأل الناس شيئا، ولهذا جاءت الأحاديث متضافرة في هذا المعنى، ففي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: اليد العليا خير من اليد السفلى. متفق عليه.
ومما يدل على بشاعة سؤال الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ البيعة على بعض أصحابه بترك المسألة، أخرج مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا حديث عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله؟ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك فعلام نبايعك؟ قال: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا، وأسر كلمة خفية، ولا تسألوا الناس شيئا، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه.
وبهذا تعلم أنه ليس من المعروف أن تطلب من امرأتك أن تسأل أباها أو أخاها شيئا، وبالتالي، فليس لها أن تطيعك إذا طلبت منها ذلك، لأنه ليس من المعروف، وطاعة الزوج في المعروف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. رواه البخاري. وقد اختلف أهل العلم هل يجب على الوالد أن يعدل بين أولاده في الهبة أو لا، وأكثرهم على أنه لا يجب، وهذا الأب لعله يقلد قول القائلين بعدم الوجوب.
وفي حال رفض هذه المرأة سؤال أبيها فليس من الشرع ولا من مكارم الأخلاق طلاقها لهذا، وذلك لأنه لا يعد سببا شرعيا يستوجب الطلاق، وأهل العلم منهم من ذهب إلى القول بتحريم الطلاق من غير موجب. قال ابن قدامة في المغني: الطلاق من غير حاجة إليه، قال القاضي: فيه روايتان: إحداهما أنه حرام، لأنه ضرر بنفسه وزوجته وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه، فكان حراما كإتلاف المال. تم ذكر الرواية الثانية.
والله أعلم.