الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المؤمن المستقيم على الطاعة يعتبر ما يحصل من ضيق الرزق ابتلاء من الله له، وبصبره عليه يعظم الله أجره ويعطيه الخير الكثير. ففي الحديث: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ * {البقرة: 155-157}.
وأما العاصي، فإنه قد يضيق عليه ويحرم من الرزق بسبب المعاصي، كما في الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وصححه الألباني.
وكما حصل لأصحاب الجنة المذكورة قصتهم في سورة القلم، فقد حرموا منها بسبب همهم بحرمان الفقراء منها.
وقد يوسع الله على العاصي استدراجا له، ثم يعاقبه بعد ذلك، كما قال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا {الأنعام: 44-45}.
وبهذا نعلم أنه قد يحصل الابتلاء للمؤمن المستقيم بتقليل الأشياء المادية في يده، ولكنه يكون سعيدا مع ذلك، كما يدل له قول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً {النحل: 97}. وفي الحديث: قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه. رواه مسلم.
كما أنه قد يعاقب الفاجر بقلتها في يده، وقد تكثر في يده أيضا استدراجا ويعاقب بالقلق النفسي والأزمات القلبية، نعوذ بالله. ويشهد لهذا قوله تعالى: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا {التوبة: 55}. وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 21400، 32533، 47005، 51953.
والله أعلم.