الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا تعارض بين الحديثين، فمعناهما إجمالاً يحث المسلم على امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، والإخلاص في أعماله لله تعالى، والابتعاد عما حرم الله تعالى، كما يحث على الاستحياء من الله تعالى، واستشعار مراقبته للعبد أينما كان وكيف ما كان، وليس فيهما -على الإطلاق- ما يبرر التهاون أو التكاسل عن الطاعات وأعمال الخير وأنواع القربات التي ينبغي أن يتقرب بها العبد إلى ربه تبارك وتعالى.
ويبان ذلك أن الحديث الأول في أقوام عندهم نوع من النفاق فهم يصلون ويصومون، ولكن الذي أفسد أعمالهم هو النفاق ومرض القلب، فقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء عن مالك بن دينار أن هذا الحديث في المنافقين قال: هو والله النفاق... فأخذ المعلى بن زياد بلحيته فقال: صدقت والله أبا يحيى.
أو هو في أقوام يراءون الناس بأعمالهم، كما في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، أو هو في قوم أوبقتهم أعمالهم بكثرة سيئاتهم، فغلبت سيئاتهم على حسناتهم، فيعاقبون في النار ولا يخلدون فيها إن كانوا مؤمنين.
فالله سبحانه وتعالى أكرم وأعدل من أن يحبط عمل أحد دون سبب، ولن يضيع أجر من أحسن عملاً، يقول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:40}، ويقول تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة:7-8}.
وإنما يحبط أعمال الكافرين والمنافقين لأن من شروط قبول العمل الإيمان والإخلاص، كما قال تعالى في شأن الكفار: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا {الفرقان:23}.
وأما الحديث الثاني، فمعناه أن العبد في عفو من الله تعالى ما لم يجاهر بالمعصية، ويستخف بالأوامر الربانية والأخلاق الإسلامية.
وأما من غلبه هواه على المعصية واستتر بها فهو وإن كان آثماً وقد ينال العقوبة ما لم يتب إلى الله تعالى أو يعفو عنه، فإن الوعيد المذكور في الحديث لا يتناوله، وللمزيد من الفائدة نرجو الإطلاع على الفتوى رقم: 29331. والحاصل: أنه ليس بين الحديثين تعارض..... وليس فيهما ما يبرر التهاون بأعمال الطاعات.
والله أعلم.