الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أن الذين يرثون متروك أخيك هم أولاده وزوجته وأبوه وأمه وذلك على النحو التالي:
للزوجة الثمن لوجود الفرع الوارث، قال الله تعالى: فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ {النساء:12}، ولكل واحد من الأبوين السدس لوجود الأولاد، قال الله تعالى: وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ {النساء:11}، وباقي المال يكون للأولاد بالتساوي إن كانوا ذكوراً كلهم، أو للأنثى سهم وللذكر سهمان، إن كان فيهم إناث وذكور، قال الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ {النساء:11}.
ونفقة هؤلاء الأولاد تكون من مالهم طالما أنهم أغنياء، ولا يجوز أن يؤخذ من مالهم غير ما يصرف عليهم، ومن أكل من مالهم شيئاً بغير حق فقد اقترف إثما مبينا، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا {النساء:10}.
ثم الذي يتولى أمر هؤلاء الأولاد والتصرف في أموالهم هو جدهم إن كان رشيدا وقادرا على القيام بمصالحهم، وإلا فلا يجوز أن يتولى ذلك إلا السلطان أو نائبه كالقاضي الشرعي مثلا أو من يقيمه هذا الأخير ممن يصلح لذلك، مع أن ولاية الجد محل خلاف بين أهل العلم، فقد قال بها الأحناف والشافعية، قال صاحب رد المحتار على الدر المختار وهو حنفي: وليه أبوه ثم وصيه بعد موته ثم وصي وصيه كما في القهستاني عن العمادية ثم بعدهم جده...... وقال النووي في المنهاج، وهو شافعي: ولي الصبي أبوه ثم جده...
وأما المالكية والحنابلة فلا ولاية للجد عندهم، قال الشيخ الدردير وهو مالكي: والولي على المحجور من صغير أو سفيه لم يطرأ عليه السفه بعد بلوغه الأب الرشيد لا الجد والأخ والعم إلا بإيصاء من الأب... وقال البهوتي في كشاف القناع وهو حنبلي: والجد لا ولاية له لأنه لا يدلي بنفسه وإنما يدلي بالأب فهو كالأخ...
والذي نراه أولى بالصواب في المسألة هو ما عليه الحنفية والشافعية لأن للجد من الشفقة على أبناء ابنه ما للأب أو قريبا منه، فهو أولى من غيره، والحاصل أن أباك جد هؤلاء الأيتام هو الذي له الولاية عليهم إن كان رشيدا وقادراً على شؤونهم كما قدمنا، وعليه النظر فيما هو الأصلح لهم من استثمار أموالهم في مشاريع إن كان ذلك مصلحة، قال الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ {البقرة:220}، ولا مانع للجد -أيضاً- من صرف شيء من أموال هؤلاء الأيتام على العائلة لكن بقدر ما ينوبهم من النفقة فقط لا أكثر من ذلك.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.